الأقباط متحدون - فستان رانيا وخيبتنا التقيلة
  • ١٦:٥٩
  • الثلاثاء , ١١ ديسمبر ٢٠١٨
English version

فستان رانيا وخيبتنا التقيلة

مقالات مختارة | محمد أبو الغار

٥١: ٠٧ ص +02:00 EET

الثلاثاء ١١ ديسمبر ٢٠١٨

رانيا يوسف
رانيا يوسف

محمد أبو الغار
ما حدث بعد الحفلة الختامية لمهرجان القاهرة السنيمائى الأربعين أمر مثير للغثيان ويشير إلى مرحلة غريبة أصبح المنطق فيها غير موجود. الفنانة رانيا يوسف ظهرت فى الحفل الختامى مرتدية فستانا شفافا لا يخفى النصف الأسفل من جسمها، وهو أمر اعتبره بعض المشاهدين لا يليق وقد يكون مستفزاً، وعبروا عن رأيهم بذلك، ولهم الحق وكل الاحترام فى هذا الرأى. وعلى جانب آخر اعتبر البعض أن ارتداء هذا النوع من الفساتين أمر عادى فى مثل هذه المهرجانات السينمائية وهم يشاهدونه فى التليفزيون المصرى حين يذيع مهرجانات السينما الأجنبية، وبالتالى لم يلفت نظرهم أن هذا شىء شاذ.

من الأمور العادية وفى البلاد الطبيعية يكون إبداء رأى ينتقد مرتدية الفستان والفستان أو اعتباره أمراً مقبولاً فى المهرجانات هو نهاية النقاش، وكل واحد أبدى رأيه وبقية الجمهور والناس إما ألا تلتفت لكل هذه الزيطة وإما تقتنع بأحد الرأيين. أما أن يتم تصعيد الأمر حتى يصل إلى المحكمة فهو أمر غريب ويشير إلى أن فى حاجة غلط فى مصر.

أولاً: انتفض أحد النواب فى المجلس مهاجماً الفنانة والفستان والمهرجان وطالب بالتدخل بعقاب الفنانة. هنا فى مصر وعلى الهواء مباشرة شخصيات عامة مصرية تشغل مناصب عامة وتقوم بالسب العلنى بألفاظ تخدش الحياء أضعافاً مضاعفة لما سببه هذا الفستان، ولم نسمع أن سيادة النائب أو غيره احتج على السباب العلنى فى قنوات تملكها الدولة. هذا الكيل بمكيالين شىء مزعج لأن مجلس النواب من المفروض أنه يمثل الشعب وعليه أن يكون عادلاً.

ثانياً: إذا كانت الحكومة المصرية والمجلس الموقر يعتبران أن ارتداء مثل هذا الفستان يوجب العقاب، فإن عليهما مراجعة كل الأفلام القديمة والحديثة المصرية والأجنبية والمسلسلات وحذف كل من ارتدى فستاناً مشابهاً، وهذا يعنى إغلاق التليفزيون المصرى وخسارة جديدة للهيئات التى اشترته وسوف يتوجه من تبقى من المشاهدين المصريين إلى القنوات الأجنبية. وإذا لم تحذف هذه المشاهد وهذه الفساتين فأنتم تسمحون بمشاهدتها يومياً عشرات المرات دون مشاكل وتقيمون الدنيا كلها بسبب ظهور ممثلة بالفستان لبضع دقائق فى حفل الختام، وهو أمر غريب وغير منطقى.

ثالثاً: قام عدد من السادة المحامين برفع دعاوى على الممثلة بتهم مختلفة وهو ما يسمح به القانون المصرى، وتم تحديد جلسة يوم 12 يناير لمحاكمة الممثلة. وبعد تحقيق دام 4 ساعات أفرجت النيابة عن الممثلة بضمان إقامتها، وتنازل السادة المحامون عن الدعاوى التى رفعوها لأن الممثلة اعتذرت. لماذا لم يرفع السادة المحامون دعاوى على كل من يقوم بالسب العلنى فى التليفزيون المصرى؟ ولماذا لا يرفعون دعاوى على القنوات المصرية التى تعرض مشاهد مماثلة لهذا الفستان؟ أليس من المنطق أن يكون حماس السادة المحامين لحماية المصريين من الأشياء المسيئة متساويا؟

رابعاً: لماذا لا يقوم المشرع المصرى بسد هذا الثقب فى القانون المصرى ويترك رفع الدعاوى من هذا النوع للنيابة العامة حين ترى أن هناك حاجة حقيقية لرفع دعوى لحماية المجتمع ولا يترك هذا الأمر فى يد كل مواطن حسب مزاجه؟

خامساً: قال البعض إن هناك نية لحرمان هذه الممثلة من التمثيل فى مسلسلات قادمة وهو أمر خطير، لأنه يعنى أن هناك احتكارا قائما يستطيع منع أى ممثل، وهذا وحده سوف يقضى على الفن والفنانين ويسحب السجادة من تحت أقدام القوة الناعمة المصرية، لأن المنافسة هى التى تؤدى إلى الإبداع والتألق.

سادساً: قرأت فى جريدة الإندبندنت البريطانية تفاصيل أحداث الفستان وكل ما قيل عنه فى الصحف ووسائل التواصل الاجتماعى. هذا النوع من المشاكل التى نخترعها بأنفسنا ونروج لها ونصل بها إلى المحاكم- هو أقوى سلاح ضد مصر الدولة الحديثة، وهو سلاح ضد نظام الحكم وضد السياحة والاقتصاد وكل شىء. كيف تقع مصر فى هذا المطب بنفسها وتثير مشاكل لا قيمة لها قد تؤثر على السياحة والاستثمار ولو بطريق غير مباشر وتثير الخوف من مصر؟

سابعاً: لو حدثت محاكمة فعلاً فسوف تنقلها وكالات الأنباء وسوف يتسع نطاق معركة الفستان داخل وخارج مصر وسوف يجد المتطرفون أن هذه فرصة رائعة للدخول فى المعركة وإشعال النار التى سوف تطال مصر كلها من نظامها وبرلمانها وشعبها وفنها. كل ذلك بسبب فستان لا راح ولا جه وليس له أهمية.

يا إخواننا، العقل زينة والوطن فى حاجة لزعلكم وحمقتكم وغضبكم ومجهودكم فى مكافحة الإرهاب وحل مشكلة الفقر وانهيار التعليم وفى أشياء أكثر أهمية بكثير بالنسبة للوطن. مش معقول!

قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع