«شر الأيام!»
مقالات مختارة | الأنبا إرميا
الاربعاء ١٢ ديسمبر ٢٠١٨
تحدثنا فى المقالة السابقة عن حكام مِصر «تكين بن عبد الله الحربى» فى ولايته الأولى للبلاد، ثم حكم «ذكا الرومى» الذى أعقبت موته ولاية «تكين» الثانية على «مِصر»، وقد حارب «تكين» جيوش «المهدى» وهزمه واستُولى على سفنه، فهربت قواته نحو صعيد «مِصر».
ثم كان أن تجددت الحرب مرةً ثانية عام 308هـ (920م) عندما حضر إلى «مِصر» «مؤنس الخادم» وزير الخليفة «المقتدر» مع عساكره من «العراق». حينئذ ذهب «تكين» إلى «الجيزة» مرة ثانية وأرسل جيشه لمحاربة عساكر «المهدى» عند مدينة «الأشمونين»، إلا أن قائد جيوش «تكين» مات بمدينة «البهنسا». وهٰكذا ازداد نفوذ المؤيدين للمهدى فى «الفيوم» و«الأشمونين» وعدة مناطق أخرى، ولم يتمكن «تكين» من مواجهتهم؛ فأُرسلت إليه إمدادات من «العراق»، واندلعت الحروب فى «الفيوم» و«الإسكندرية» مستمرةً زمنًا طويلاً حتى عادت عساكر «المهدى» إلى «برقة». وفى تلك الأثناء، وصلت أخبار إلى «تكين» أن ابن قاضى «مِصر» وبعض المِصريِّين يناصرون «المهدى»؛ فألقى القبض عليهم، وقتلهم وحبس آخرين.
عزل وولاية
استمر حكم «تكين» الثانى على «مِصر» عامًا ونصفًا تقريبًا، بعد أن أُبعد عنه عام 309هـ (921م) من قبل «مؤنس الخادم» الذى ولى على «مِصر» «أبا قابوس محمود بن جمل» بدلًا من «تكين» إلا أن «أبا قابوس» لم يجد قَبولاً لدى جنود «مِصر» فلم يستمر فى حكم البلاد سوى ثلاثة أيام! فيذكر لنا المؤرخون أن فتنة عظيمة اجتاحت البلاد عند عزل «مؤنس» لحاكم مِصر «تكين» من دون سبب؛ فيقول «ابن التَّغرى» عن ذلك: «وتكلم الناس وأعيان مِصر مع مؤنس الخادم فى أمر تكين وخوّفوه عاقبة ذٰلك (عاقبة العزل)، وألحوا عليه فى عَوده (عودته)؛ فأذعن لهم بذٰلك»؛ وهٰكذا عاد «تكين» لحكم «مِصر» مرةً ثالثةً. إلا أن «مؤنس» لم يكُن راضيًا عن عودة «تكين» فاستمال القواد إلى صفه، ولما تحقق له ما أراد واستمال الجميع إلى رأيه أسرع «مؤنس» بعزل «تكين» وكان ذلك بعد أربعة أيام فقط من عودته إلى الحكم، ثم أخرجه «مؤنس» من مِصر إلى «الشام» ومعه بعض الجنود العرب خَشية نشوب فتنة ثانية بسببه. وكان بعد تلك الأحداث أن «مؤنس» أرسل إلى الخليفة «المقتدر» يعلمه بما حدث فأرسل أوامره بأن يُولى «هلال بن بدر» على مِصر.
«هلال بن بدر» (309-311هـ) (921- 923م)
تولى «هلال بن بدر» حكم «مِصر» بعد عزل حاكمها «تكين». وعندما قدِم «هلال» إلى «مِصر»، كان يحمل رسالة من الخليفة إلى «مؤنس» يطلب منه أن يعود مع الجنود إلى «بغداد»، فغادرها مصطحبًا «أبا قابوس محمود بن جمل».
ولقد شهِدت تلك الحقبة اضطرابًا هائلاً فى البلاد. ثم اجتمع بعض الشعب ومعهم الجنود على «هلال» يريدون محاربته وقتله، وخرجوا من «مِصر القديمة» إلى «مُنْيَة الأصبغ» (مِنطَقة «حدائق القبة» حاليًا)؛ فتجهز لهم الحاكم، وجمع إليه من تبقى من الجنود؛ واندلعت الحرب فى البلاد، واستمرت زمنًا طويلاً حتى ساءت أحوال مصر وكثر القتل والنهب والفساد، كما ازدادت جرائم قطع الطرق؛ ولم يتمكن «هلال» من التصدى لتلك الأحداث أو من إصلاح الأمور!
والحديث عن «مصر الحلوة» لا ينتهى.
* الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى
نقلا عن المصري اليوم