على مقهى «الحالمون بالغد» حوار مع المطران منير حنا (٢)
مقالات مختارة | حسام بدراوي
الاربعاء ١٢ ديسمبر ٢٠١٨
حسام بدراوي
ونحن بحاجة أن نتواضع ونفحص أنفسنا سواء على المستوى الشخصى أو على مستوى المجتمع كله، أى أننا بحاجة إلى إصلاح مستمر
قلت له وأنا سعيد بما أسمعه منه، حزين على بعض أوضاعنا: ونحن بحاجة إلى قبول المصلحين والمجددين فى مجتمعنا، بل إننا بحاجة إلى الترحيب بهم ومنحهم المساحة التى من خلالها يعرضون آراءهم، فنسمع لهم ونتحاور معهم حتى نصل إلى ما يفيد المجتمع.
قال: يا صديقى تاريخ الإصلاح فى كنيسة إنجلترا أو كما تسمى اليوم الكنيسة الإنجليكانية الأسقفية يعلمنا أن مقاومة المصلحين تؤدى، حتماً، إلى زيادة أعداد المؤمنين بأفكارهم الإصلاحية.
فنحن نعرف أن الملكة مارى التى تربعت على عرش إنجلترا، وكانت معارضة للإصلاح الذى قام به رئيس أساقفة كانتربرى توماس كرانمر وأساقفة آخرون، لهذا قامت بحرقهم بالنار فى مدينة إكسفورد، إلا أن آلاف الذين شاهدوا هؤلاء الأساقفة وهم يحترقون من أجل فكر الإصلاح، ازدادوا ثقة ويقيناً أن فكر هؤلاء المصلحين لابد أن يكون صحيحاً، لأنهم كانوا مستعدين أن يضحوا بحياتهم فى سبيل هذا الفكر، لذلك تمسك الناس بهذا الفكر الجديد، وهكذا انتشر الإصلاح، فى إنجلترا بالرغم من حرق المصلحين، قلت له مؤكدا على كلامه: أتفق معك، والأمر نفسه ينطبق على كل الأديان، كثيرا ما تم استخدام الدين للسيطرة على العقول بعيدا عن جوهره، وكل الأديان جوهرها واحد، مودة ومحبة وتسامح بين البشر، أما التراث الدينى فهو مصطلح شامل يتسع لكل ما له علاقة بالدين من نصوص مقدسة، واجتهادات العلماء السابقين فى فهم هذه النصوص وتطبيقها على الواقع، وقد يحصل خلاف حول ما إذا كان هذا التراث كله مقدسا يجب الالتزام به، أو نصوصا واجتهادات مرتبطة بأزمانها وأماكنها الغابرة، نتعامل على أنها تاريخ ينقل لنا تجربة بشرية قابلة للنقد والنقض والتعديل والتطوير بما يتناسب مع الزمان والمكان والظروف الخاصة بكل عصر، لذلك فإن تجديد الخطاب الدينى لا يشمل دينا بذاته ولكن كل الأديان. إننى لا أرى فرقا بين متطرفى المسيحية واليهودية والإسلام. أحيانا أظن أنهم يتكلمون نفس اللغة وقد يكونوا أقرب لبعض من قربهم من الدين المعتدل الذى يدعو إلى الخير والسلام واحترام النفس الإنسانية.
قال المطران منير: إننى أرى أننا نتعامل مع موضوع تجديد الخطاب الدينى على عمومه بطريقة غير منطقية، فالخطاب الدينى ما هو إلا نتاج أو ثمر الفكر السائد، فإذا كان الفكر السائد متطرفاً فإن الخطاب الدينى سيكون متطرفاً، وإذا كان الفكر السائد فكرا متحضرا فإن الخطاب الدينى سيكون سمحا ومتعقلا.
التاريخ يقول ذلك بوضوح، التاريخ يقول إن الحاجة إلى الإصلاح الفكرى سيؤدى حتماً إلى تجديد الخطاب الدينى، بما يناسب العصر الذى نعيش فيه، دون أن يؤدى ذلك إلى اختزال الثوابت وجوهر الإيمان أو التغاضى عن مبادئ وأخلاقيات مجتمعنا، قلت: أوافقك ويتسع تجديد الفكر إلى تجديد الخطاب الاجتماعى والسياسى، الذى يجب ألا يستخدم مفردات ما يريد تغييره فى الخطاب الدينى عندما تخدم أغراضه فى الحكم، قال مبتسما وكأنه يحذرنى: أنبهك يا صديقى أن التاريخ يقول إن المصلحين والمجددين لم يكن مرحبا بهم من الكنيسة فى العصور المظلمة لأوروبا، قلت: كذلك المصلحون والمجددون فى التاريخ الإسلامى، فابن رشد حرقت كتبه مع أن أفكاره كانت سببا فى نهضة أوروبا، وِفى العصر القريب أذكر ما واجهه الإمام محمد عبده والدكتور طه حسين وغيرهم ممن استخدموا العقل فى تنقية التراث الموروث ليكون سندا للحضارة وليس مانعا للتجديد.
قال: أكرر لك ما نحتاج إليه هو الترحيب بالمصلحين والمجددين وتشجيعهم، لأنه سيؤدى إلى إصلاح فكرى ومجتمعى دون أن تحدث تلك الانقسامات التى حدثت فى أوروبا منذ خمسمائة عام، وهذا ما نحتاجه اليوم.
قلت: المناقشة معك تفتح العقل وتسعد القلب وأشكرك على دعوتى لندوة فيها من الفكر والرقى والمعرفة الكثير.
نقلا عن المصري اليوم