الأقباط متحدون - مطلوب «حقنة» لعلاج الملل المجتمعى
  • ١١:٢٥
  • الخميس , ١٣ ديسمبر ٢٠١٨
English version

مطلوب «حقنة» لعلاج الملل المجتمعى

مقالات مختارة | محمد الدسوقى رشدى

٤٢: ٠١ م +02:00 EET

الخميس ١٣ ديسمبر ٢٠١٨

تعبيرية
تعبيرية

  محمد الدسوقى رشدى

 
أتفهم خوفك على الوطن، على المجتمع، على الناس..
أتفهم خوفك من التشكيك، ومن المؤامرات، ومن هؤلاء الذين يستهدفون أمن واستقرار ومستقبل مصر، ولكن أذكرك بأن خوفا آخر من الملل يستدعى انتباهك وانتباه مؤسسات الدولة المصرية، ومن بعد استدعائه يحتاج إلى وقف وتحرك لضخ بعض من الماء الجارى فى تلك البحيرات الراكدة، لأن الركود يعزز الملل، والملل يغذى الإحباط، ونحن فى مرحلة لا تحتاج سوى الكثير من الأمل فى غد أفضل، ولا أمل إلا بإنقاذ قطاع كبير من شباب هذا الوطن وأهله من الغرق فى تفاصيل الماضى، مد ثقافى، فكرة خلاقة، روح جديدة لابد من حقنها فى شرايين الدولة المصرية حتى لا نعيش فى أيام تبدو وكأنها منسوخة بالكربون. 
 
نعيش أيام هذا العام، كما عشناها نفسها فى العام الماضى نسأل نفس الأسئلة، وننشر نفس الصور، وننفخ النار فى نفس المشاكل، ونغفلها كأنها لم تكن، ونسقطها من الذاكرة لتحل محلها لعبة جديدة، ليس من بينها أى لعبة لصالح هذا الوطن، لهذا الوطن رب يحميه، ولوسائل إعلامه ومواقع تواصله الاجتماعية ناس يمدون فى حياتهم «بالهرى والهرى المضاد».
 
كنا نقول إن أهل مصر لا كتالوج لهم، نفخر بذلك فى دلالة على الحيوية، والقدرة على إدهاش الغير، الآن نقول بأن لأهل مصر «تايم لاين» واحد وموحد يخبرك فيما يفكرون وكيف يتعاركون وأى «إفيه سيستخدمون» وأى ضيف سيظهر فى برامج التليفزيون.
 
هكذا أصبح تايم لاين حياة المصريين واضحا ومحددا، لا يتغير من سنة إلى الأخرى، يأتى نفس اليوم بنفس النقاش ونفس الصورة ونفس الخلاف كالأتى:
 
• تحل ذكرى ثورة 23 يوليو ليبدأ معها أهل مصر فى الفيس بوك ثم البرامج بحديث لا يختلف عن حديث العام السابق وما سبقه وما سبقهما هما الاثنين، ماذا تبقى من يوليو؟ هل كانت أيام الملكية أفضل؟ الملك فاروق المظلوم؟ المصريون الحفاة العراة؟ الشوارع المصرية الأجمل من شوارع باريس، الفلاحون المظلومون، وينتهى الأمر بنفس الإفيه «على ابن الجناينى بقى ظابط يا إنجى».
 
• فى أول يناير تظهر نفس الفتوى الوحيدة هل يجوز تهنئة الأقباط بعيدهم، وهل الاحتفال برأس السنة حرام؟ ثم تظهر نفس الصورة لأماكن السهر؟ ثم تبدأ نفس المقارنات حول الشعب الهايص والشعب اللايص، ثم تبدأ نفس المعارك حول فساتين الفنانات والمطربات فى الكريسماس، وسعر تذكرة حفلة عمرو دياب.
 
• فى منتصف يناير تتخذ الأجواء شكلا ثوريا، وتبدأ صور الأيام الثمانية عشر فى ميدان التحرير تظهر، ويبدأ بعضهم فى طرح السؤال المكرر هل نتحتفل بذكرى الثورة أم عيد الشرطة؟ ثم يصرخ أحدهم الثورة مستمرة حتى تحقق أهدافها، ثم ينشر البعض منا صور الشهداء، ثم تمتلئ الصحف المصرية بملفات عن الثورة سيرة ومسيرة، ثم تصنع برامج التليفزيون حلقات خاصة تحت عنوان «هل كانت 25 يناير مؤامرة؟»، ثم يأتى الإفيه الأكبر مع بيان الإخوان الذى يترحم على الثورة التى سرقت، وكأن الجماعة قد شاركت فيها أصلا وكأنها لم تسرقها وتدمرها فيما بعد.
 
• فى شهور الصيف وتحديدا من يوليو تظهر صور الساحل، وتبدأ الحفلة المعتادة، الطريق للساحل زحمة، البنات بتعمل شعرها ومش بتنزل الميه، الولاد بيعملوا فورمة الساحل، الطوابير طويلة أمام أماكن السهر، المحجبات عاوزين ينزلوا البحر أو يدخلوا البارات، الإصلاحات مستمرة فى طريق الإسكندرية، وتنشر الصحف عناوين عن حوادث طريق الساحل بسبب السرعة والاستهتار.
 
• يأتى رمضان وتبدأ الحدوتة السنوية، لماذا هذا المسلسلات؟ الفضائيات تخسر، مساحات الإعلانات مملة، استفتاءات الصحف والمواقع مفبركة، إعلانات نوستالجيا، إعلانات تبرعات، سيلفى الفطار، سيلفى السحور، معركة حول شروط الأوقاف للاعتكاف فى المساجد، صورة الزحام الكبير فى تراويح ليلة القدر، وبعدها بأيام يتخذ التايم لاين منحنى آخر بالحديث عن حشيش العيد وتحرش العيد وسيلفى صلاة العيد.
 
• فى كل سنة تكرر بالكربون خناقة بطلها فنان أو مطرب أو منتج أو مطربة أو مخرج بسبب مشهد عارٍ أو صورة عارية أو فيديو فضائحى، وستجد ألف اشتباك متكرر بسبب تصريحات كوميدية لبعض المسؤولين فى المصالح الحكومية، ونفس المعركة الدينية بسبب فتوى ياسر برهامى، أو وجدى غنيم، وفى كل سنة يظهر شيخ أزهرى يتحول إلى بطل بسبب تصريح أو فتوى غريبة، وفى كل سنة يتعارك الأهلى والزمالك على لاعب من أندية الوسط، ومن يفوز بالصفقة يحجز معها مكانا فى الدكة لهذا اللاعب.
 
عموما المساحة مفتوحة، أنت قطعا تعرف ما هو أكثر منى، أنت تكرره كل عام بنفس التفاصيل، والتكرار يعلم الشطار، وكل شاطر يمكنه أن يضيف بنفسه آلاف الأحداث والقضايا والتفاصيل التى ننسخها سنويا بالكربون فى نفس الزمان، حتى بدت صورتنا لمن يشاهدوننا من بعيد وكأننا نجرى فى المكان ونلهث، ولكننا لا نتحرك خطوة. 
نقلا عن اليوم السابع
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع