ارفعوا الجلسات «الودية» من الخدمة
مقالات مختارة | عادل نعمان
السبت ١٥ ديسمبر ٢٠١٨
الجلسات الودية فى المنيا، وآخرها بالأمس القريب بين المعتدى والمعتدى عليه، بين السارق والمسروق، فى قرية كوم الراهب مركز سمالوط، ولن تكون الأخيرة فى ظل وكنف «ودية» و«عرفية»، هاتين الأختين، ليست إلا حلاً يسعى إليه أعضاء مجلس النواب، وتجار الأصوات، حفاظاً على أصواتهم من الطرف الأقوى، وهم كمن قال للمظلوم لا تبكى، وكان الأولى أن تضرب الدولة على يد الظالم والمعتدى، ولا تترك هذا الأمر لهذه «الجلسات الودية» أو «الجلسات العرفية» أن تأخذ مكانها، فلسنا فى قبيلة اختلف فيها الرعاة على كلأ مرعى، أو استلبت إحدى القبائل حق الغير فى بئر مياه ترعى فيه أغنامها وحرمت الأخرى منه، نحن فى دولة يحكمها القانون، وحق المواطن فى إقامة شعائره مكفول بحرية، دون أن يسلبه هذا الحق بلطجى أو معتدٍ، أما إن كنا نبحث عن الحق والعدل فلا سبيل سوى القانون، شرط ألا يتم القبض على الأطراف البريئة، حتى تذعن للصلح وترضاه سبيلاً، وتقبله اضطراراً، وهو ظلم إلى جانب الظلم، وقهر فوق القهر، وضياع حقوق ما بعده ضياع.
«ودية» هذه كسرتنا، و«ودتنا فى داهية»، وبسببها اطمأن المعتدى على مصيره، وعرف صلة القرابة بها، وأنها ابنة خالته لزم، أخت أمه، يلجأ إليها بعد كل اعتداء على خلق الله، وحسبها كل مرة، فوجد نفسه يخرج منها مزهواً منتصراً، معتدياً ومسموحاً له بالاعتداء لمرات مقبلة، ومعفياً عنه وعن جريمته الحالية وجرائمه المقبلة، يمنع الناس من الصلاة، ويحرمهم من إقامة شعائرهم الدينية، ويغلق دور العبادة، وكأنه الحكومة، ويجلس مع المظلوم يملى عليه شروطه، ويصبح الفارس المغوار الذى يتقدم الصفوف، ويجلس بين النواب يضع شروطه وتوصياته، ويرفع سعره فى سوق البلطجة، وكان يوماً بلا سعر، ولا يساوى شيئاً فى سوق المروءة والشهامة، وأصبحت «ودية» هذه شغلته وشاغله كل يوم، فتدركه وتغيثه، وتخرجه كل مرة من ورطته.
«ودية» هذه اسم لم يعد على مسمى، فهى لا تحمل وداً بين الأطراف، بل تحمل غبناً وظلماً، واستعلاءً واستقواءً، ولا يقبل الصلح فيها بإرادة المظلوم ورضاه، ولاحق له فى رفضه، بل يجبر عليه، فلا خيروه بين سيئين فيختار أقلهما سوءاً، ولا تركوه يشاور صديقاً أو يستشار من مظلوم آخر، بل أغلقوا عينيه وسحب ورقة واحدة، ويا ليتها كانت بيديه، هذا هو الود وهذه هى المصالحة، وهذا هو لون القبول والرضا، ممزوج بطعم المر والعلقم، مهين ومهان، وكسير ومكسور، وليته كان بلا عنوان غير «ودية» أو «عرفية» بل كان الأحسن أن يختاروا لها اسماً آخر، جلسات «قهرية» أو جلسات «جبرية» أو «برلمانية»، فهى أوقع لأحداثها، وأوصف لما يتم فيها.
«ودية» هذه خيبة ثقيلة، أوقعنا فى فخها أصحاب الياقات البيض، الباحثون عن المجد الشخصى، أو الرسميون فى الدولة هروباً من المواجهة، أو تحمل المسئولية، بحسن نية أو بغيرها، بعد كل مصيبة وكارثة واعتداء على المسيحيين فى بلادى، ولم يكن من حسن النية أو من حسن الفطن قبولها حين تكرر الاعتداء بعد «الودية» الأولى، واعتبارها تجربة فاشلة، لم تؤتِ ثمارها، ولا يقبل تكرارها، وأن فى تكرارها زيادة معدلها، وجريمة يرتكبها القائمون عليها، وأن العودة إلى القانون -وهو الأصل الأصيل- فيه النجاة والفلاح، وهو المرجع الوحيد فى الحقوق والواجبات.
«ودية» هذه أصبحت سيئة السمعة، فهى قهوة أو غرزة، يلجأ إليها البلطجى والمعتدى وأصحاب السوابق للاحتماء بها وطلب العون والحماية والاختباء بين أحضانها، ينام فيها نهاراً من عيون الناس، ويتسلل منها ليلاً تحت جنح الظلام، يمارس عمله فى السرقة أو النهب والسلب تحت حماية وفى كنف هذه العجوز «ودية» الشمطاء، أو أصبحت قلعة أو حصناً أو مغارة تؤوى الخارجين على القانون، وتحمى المطاريد وتجار السلاح والدين والمخدرات، يهاجمون المسالمين من خلق الله.. «ودية» هذه أصبحت مأوى لكل هؤلاء، تحميهم، وكل من دخل هذه البؤرة فهو آمن على ما نهبه وسرقه.. «ودية» هذه تقاسمهم حصيلة هذا النهب، وتفرح وتسعد بزيادة أعداد الوافدين إلى مغارتها، لا حل سوى نسف هذه الغرز وهذه الحصون وهذه القلاع وهذه المغارات بمن فيها، وتطهيرها، حتى نكشف ستر كل هؤلاء، ويواجهوا مصيرهم العادل بعيداً عن «ودية».
يا أيها السادة، يا أصحاب الأمر والنهى، ارفعوا «ودية» «وعرفية» من الخدمة، وأحيلوهما إلى الاستيداع، فوالله لن يرتدع هؤلاء إلا بقوة القانون وعدالته، دون لف أو دوران، أو المواءمات أو المسايسات أو المداعبات السياسية، أو القبض على الطرفين المظلوم والظالم، والمعتدى والمعتدى عليه، لقبول التنازل أو الخضوع له، فلا ردع إلا بقوة القانون، ولا مساومة على حقوق الناس، ولا جلسات ودية أو عرفية فى إقامة شعيرة من الشعائر، ولا استجابة لأحد يخالف القانون والدستور حتى لو كان برضا الناس، فالتنازل عن حق الشعيرة، ليس من حق المواطن، بل هو حق الله، سوف تُسألون جميعاً يوماً عنها، الظالم قبل المظلوم.
نقلا عن الوطن