CET 09:49:25 - 20/06/2009

مقالات مختارة

بقلم: د.خليل فاضل

فى سوق العمل الحرفى والأكاديمى على حَدًّ سواء هناك بليه (الصبى- المعيد- المدرس)، وعطية (المعلم- ألأسطى- الريس- الأستاذ)، العلاقة بينهما جدلية محيرّة مركبّة، فيها قهر وتسلط، شدّ وجذب، تدريب وتعليم، وفيها تسلق وطموح ورغبات مكتومة تنبع من الوضع المأساوى أحياناً ففى ورش السيارات مثلاً نجد أن صبى الميكانيكى الذى لم يشب عن الطوق يحترف المهنة فى دأب متحملاً السباب واللكمات والبصقات والركلات، صابراً على همّه، واضعاً نُصب عينيه أنه سيكون فى يوم من الأيام (أسطى) و(كسّيب)، وأيضاً متمكناً متحكماً يذل من هم تحت يديه التى ربما- لن يوسخها الشحم- مرة أخرى ويكتفى بالأمر والنهى. وفى الجامعات والمؤسسات الكبرى (علمية وطبية) هناك أيضاً بليه يجرى ويشقى ويشيل الشنطة ويفتح باب العربية.

مدمن العمل كشارب الخمر، يحتسيها، يشرب من كيعانه، يذوق المُرّ، وأحياناً الشهد وكل الأشياء التى بطعمه: شهرة، فلوس، نفوذ، صبية، بليه فى كل موقع وكل مكان وزمان صحرا أو بستان، يجرون هنا وهناك ينقلون أبحاث المجتهدين والغلابة أو المشهورين لغافلين أو يترجمون ما لا يفهمون ويجمعونها فى كتب أو يصطادون العملاء ليبيعوا لهم الهواء أو الترماى، وأحياناً ما ينكب مدمن العمل على العمل غير قادر على الخلاص من رائحة الفلوس، الزفرة أحياناً والمختلطة أحياناً أخرى بالبارفان على كل لون يا باتستا، ويصبح المثل الإنجليزى عن مدمن الخمر واقعاً (كأسـاً واحدة كثـــــيرة جــــداً وعشرون منها غير كافيـــة One Is Too Many And Twenty Is Not Enough).

 فنجد تلك الأجساد المتعبة المنهكة تدور فى شوارع القاهرة سعاة كانوا أم صبيان مكوجية أو تلك الشريحة الجديدة من (الطيارين) الراكبين على ظهر (دراجات بخارية منهكة) يحملون الطعام الـ(تيك أوى) فى وجه البرد الزمهرير وفى عِز قيظ لصيف يدفعون أزرار المصاعد الكهربية وينتظرون على الأبواب ويتلقون بكل الأشكال والألوان، كل حسب كله وحسب هيبته وطعامه، يرتادون الشقق، داخل الحارات وأبواب الفيللات والقصور المحصنة بالأمن (Security)، والكلاب. يحملون الأكل البلاستيكى داخل أكياس ورقية أو بلاستيكية تفوح منها رائحة سريعة تدخل مع ثنايا المخ لتكون فكرة وحلم الراحة من العمل والتخلص من إدمانه القسرى.

فى إطار كل هذا لنا أن نتساءل أين هو وضع المرأة المعيلة والتى تعمل عملاً مزدوجاً فى البيت والغيط والمصنع والحكومة، يدعمها أحد ولا يساندها أحد؟ أما الأطفال بدءاً من هؤلاء العاملين فى الحقول بأتفه الأجور إلى المستغلين فى المصانع سيئة التهوية والمطابع والأسواق فى عشوائيات يضمها حزام القاهرة أو غيرهما، فهم ليسوا أحسن حالاً نظراً لاغتيال براءتهم فى سوق العمل وتحويلهم إلى نوع من العبيد المنتظرين لحظة الإفراج عنهم.

 وعلى الرغم من أن قانون الطفل يحظر تشغيل الأطفال قبل الرابعة عشرة من العمر لكنه يسمح للأطفال فيما بين الثانية عشرة والرابعة عشرة بتلقى التدريب المهنى من أصحاب العمل، وبالمشاركة فى أعمال موسمية لا تضر بصحتهم أو نموهم ولا تبخل بمواظبتهم على الدراسة، كما يلزم نفس القانون أصحاب العمل بحسب معاملة الأطفال العاملين لديهم، وتوفير المياه النقية لهم وتزويد كل طفل بمائتى جرام من اللبن يوميا،ً وضمان علاجهم من إصابات العمل وأمراض المهنة.

 إلاّ أن الواقع اليومى فى مصر- للأسف الشديد- لا يحافظ على ذلك إطلاقاً ومن هنا جاءت التوصية الدولية بخصوص «أسوأ أشكال عمل الأطفال» التى من بينها «العمل بالسخرة أو قسراً»، وكذلك الأعمال التى يحتمل-إما بسبب الظروف التى تؤدى فيها- أن تعود بالضرر على صحة الأطفال أو سلامتهم أو أخلاقهم، وهنا تقاعست أجهزة الدولة ونرى أنها تتحمل المسؤولية المباشرة عن استمرار هذه الأحوال، مما يخلق مواطنين متعبين صحياً ونفسياً وجسدياً يصابون فى مراحلهم العمرية المختلفة بشتى الأمراض كارتفاع ضغط الدم والأمراض النفسى جسدية (كالألم المزمن بدون سبب عضوى) والعجز الجنسى، انهيار جهاز المناعة والشيخوخة المبكرة.

www.drfadel.net

*نقلاً عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

جديد الموقع