هل يقدر لمصر أن تلحق بتونس علي درب الحداثة والدولة المدنية؟
يوسف سيدهم
السبت ١٥ ديسمبر ٢٠١٨
بقلم: يوسف سيدهم
في 23 نوفمبر الماضي وافقت الحكومة التونسية علي مشروع قانون المساواة بين النساء والرجال في الميراث تمهيدا لإحالته إلي البرلمان للتصويت عليه حتي يصبح ساري المفعول… وكان الرئيس التونسي الباجي السبسي قد اقترح طرح هذا الأمر للمناقشة استنادا لتوصيات لجنة الحريات الفردية والمساواة, وبالرغم مما أثاره ذلك الاقتراح من جدل واسع في تونس وخارجها لأنه يجتهد فيما رسخ في التشريع الإسلامي.
إذا تونس في سبيلها إلي إدراك المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في الميراث كحلقة في سلسلة من الإصلاحات المجتمعية التي تضمنت إعلاء دور المرأة وتمكينها من المشاركة الكاملة في جميع أنشطة ومؤسسات المجتمع جنبا إلي جنب مع الرجل وفي إطار حقوق وواجبات متساوية لا فرق ولا فرز فيها, وكان الباعث وراء ذلك إصرار تونس علي المضي علي مسار الحداثة والدولة المدنية ودون الخوف مما قد يعكسه ذلك من شبهة تصادم مع التشريع الديني.
اليوم يمر عامان ونصف العام علي بداية فتح هذا الملف المهم والحضاري من جانب تونس ووقتها كتبت في 2016/7/3 أعبر عن إعجابي بتلك المبادرة ولا أخفي إشفاقي عليها من أن تجهضها التيارات الرجعية… كتبت المساواة بين الرجل والمرأة في المواريث, هل تدركه تونس قبل مصر؟, ذلك لأني وقتها شعرت بغصة في حلقي حيث جاءت مبادرة تونس لتستدعي عندي ملفا طويلا مؤسسا بدأته قبل ذلك بعامين -أي منذ أربعة أعوام ونصف العام- حين كتبت في 2014/7/6 ورث البنت سبة في حق هذا الوطن ورجاله!! واستعرضت الموروث التشريعي والاجتماعي الذي يسمح ليس فقط بإعطاء الرجل نصيبا في الميراث يبلغ ضعف نصيب المرأة, لكن أيضا بغض البصر علي اغتصاب الرجل لكامل نصيب المرأة في ظل تسلط وسطوة القبلية والعشائرية والعقلية الذكورية السائدة في أقاليم مصر حيث تقف المرأة عاجزة عن الاحتجاج ومغلولة يداها عن المطالبة بحقها أمام القانون.
وسط كل هذه الإحباطات كنت أتشبث ببصيص نور وأتعلق بأمل الدعوة لإحياء المساواة بين الرجل والمرأة في المواريث في التشريع المسيحي حيث إن تلك المساواة ثابتة تاريخيا وكان معمولا بها بشكل مبتور في مصر في حقبتها الليبرالية حتي عام 1941 حين أجاز التشريع لغير المسلمين المساواة بين الرجل والمرأة في المواريث بموجب اتفاق مكتوب بين الورثة يرفع عنهم الخضوع للشرع الإسلامي, لكن ذلك لم يدم طويلا فسرعان ما تم العدول عنه وساد تطبيق الشرع الإسلامي علي غير المسلمين حتي يومنا هذا.
لكن جاء الخلاص من هذا الواقع مع إقرار دستور 2014 الذي تنص مادته الثالثة علي: مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية واختيار قياداتهم الروحية, وهنا سنحت الفرصة لإدراك تلك المساواة المفقودة ضمن مواد قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين الجاري الاستقرار عليه ودفعه في المسار التشريعي الواجب, وكنت أتصور أن ذلك أمر حتمي سوف يعني به القائمون علي صياغة القانون لا يقل في ذلك عن حرصهم علي ما تضمنه من مواد تعني بتشريعات الخطوبة والزواج وفض الزيجة والطلاق, إلا أنني صدمت حين اكتشفت غياب تشريعات المواريث عن مواد القانون حتي إني كتبت سلسلة من أربعة مقالات تحت عنوان: لماذا سقطت أحكام المواريث من لائحة الأحوال الشخصية للمسيحيين؟ في 20 مارس, 27 مارس, 3 أبريل, 10 أبريل عام 2016, ومرت تلك المقالات دون أي رد فعل من جانب الكنيسة ينبئ باحتمال ضم تشريعات المواريث للائحة, مما دفعني في 17 سبتمبر 2017- منذ 15 شهرا بالتمام والكمال- وعلي أثر المبادرة التي خرجت من تونس في هذا الخصوص لأن أكتب: نحو مساواة المرأة بالرجل في المواريث- تونس تبادر بينما الكنيسة القبطية تصمت!!, محاولا مرة أخري حث القائمين علي لائحة الأحوال الشخصية للمسيحيين تضمين تلك المساواة في اللائحة باعتبار ما تملكه الكنيسة القبطية من ميراث عقيدي وتشريعي علاوة علي الحق الدستوري.
والجدير بالذكر أنني وإن كنت أتصدي لهذه القضية وأضع الكرة في ملعب الكنيسة إنما أفعل ذلك من منطلق ما لا يدرك كله لا يترك كله, لأن غايتي الحقيقية أن أري تلك المساواة وقد ترسخت للمرأة المصرية وعلي الإطلاق وليس للمرأة المسيحية وحدها, حيث كتبت في ذلك الحين: لا يفوتني أن أوكد أنني إن كنت أتسلح بالتشريع المسيحي والتاريخ القبطي في الدعوة لمساواة المرأة بالرجل في الميراث, لست أكتفي بتحقيق هذه المساواة للأقباط فقط, استنادا للمادة الثالثة من الدستور, إنما أتطلع أن يكون إدراك تلك المساواة نموذجا يحتذي علي مصر كلها في يوم من الأيام.
*** هل يأتي هذا اليوم لرد اعتبار المرأة المسيحية؟… ومن بعدها المرأة المصرية؟… هل يقدر لمصر أن تلحق بتونس علي درب الحداثة والدولة المدنية؟