الأقباط متحدون - وسائل إنماء الطاقات
  • ٠٢:٥٥
  • الأحد , ١٦ ديسمبر ٢٠١٨
English version

وسائل إنماء الطاقات

مقالات مختارة | بقلم : الأنبا موسى

٠٨: ٠٧ م +02:00 EET

الأحد ١٦ ديسمبر ٢٠١٨

الأنبا موسى
الأنبا موسى

 تحدثنا فى الأعداد السابقة عن الشباب والطاقات، وذكرنا أن الشباب فيه طاقات كامنة لا حصر لها من جهة النوع، ولا حدود لها من جهة الكمية.. والشباب شريحة ضخمة فى المجتمع.. لذلك فمن المهم أن:

 
كيف نوظف طاقاتنا بأسلوب سليم؟
 
1- نكتشف.. هذه الطاقات المباركة.. 2- ونوظفها.. فى خدمة الشباب والأسرة والمجتمع والوطن ودور العبادة.. 3- وننسقها.. حينما تتقاطع أو تتداخل معًا.. 4- ونتابعها.. حتى تظل فعالة ومثمرة.. ثم ياتى بعد ذلك أن ننميها ونعرف وسائل إنمائها.. حتى لا تتوقف أو تتراجع.
 
■ ■ ■
 
أولاً: عدم النمو.. دليل الانحدار:
 
هذه حقيقة نعيشها كل الأيام، فالنمو يعطى مزيدًا من النمو، سواء فى الطفل أو النبات أو أى عمل. أما عدم النمو فهو الطريق إلى الرجوع والتدهور!. لذلك يوصينا معلمنا بولس الرسول، مقدمًا نفسه أنموذجًا لنا، حين يقول: «إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ» (فى 13:3).
 
ثانياً: النمو.. دليل الحياة:
 
- لعل أهم مظاهر الحياة هو النمو.. فإذا ما زرعنا بذرة، وتعهدناها بالتغذية، وكانت الأرض صالحة، وحرسناها من الآفات، سنجدها تتحول إلى نبتة صغيرة، ثم أكبر وأكبر، إلى أن تصير شجرة تورق، وتزهر، وتثمر!.
 
- هكذا الإنسان، وكل طاقاته، إذا ما تعهدناها بوسائل التغذية الروحية والفكرية، وعرضناها لعمل إلهنا العظيم، وحرسناها من الآفات الروحية مثل: اليأس - الكبرياء - الصلف - محبة المجد الباطل - الغرور - الاكتفائية - الإحساس بالتميز أو الأفضلية.. إلخ. فلا شك أن هذه البذرة ستتحول إلى شجرة مثمرة وارفة الظلال، تتآوى الطيور تحت أغصانها.. حيث الظلال إشارة إلى حلاوة عمل الله فينا، والطيور إشارة إلى الأحباء المستفيدين من هذه الطاقة الخادمة.
 
وما أكثر ما حدثنا الكتاب المقدس عن النمو، حين قال مثلاً:
 
1- عن حبة الخردل: «مَتَى نَمَتْ فَهِىَ أَكْبَرُ الْبُقُولِ» (مت 32:13)، مع أنها أصلاً بذرة صغيرة، ولكنها بالنمو تتحول إلى شجرة كبيرة خادمة.
 
2- وعن الصديق: «اَلصِّدِّيقُ كَالنَّخْلَةِ يَزْهُو كَالأَرْزِ فِى لُبْنَانَ يَنْمُو» (مز 12:92)، فالنخلة تعلو وتعلو، فى استقامة واتساق، ثم تثمر وتعطى ثمرها حتى لمن يرجها!!.
 
3- وعن المؤمنين: «يَنْبَغِى لَنَا أَنْ نَشْكُرَ اللهَ كُلَّ حِينٍ مِنْ جِهَتِكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ كَمَا يَحِقُّ، لأَنَّ إِيمَانَكُمْ يَنْمُو كَثِيرًا، وَمَحَبَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ جَمِيعًا بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ تَزْدَادُ» (2تس 3:1).
 
ثالثاً: الوسائل المعينة فى النمو:
 
إذا كان القائد الناجح هو القادر- بنعمة الله وأمانة الحياة- أن ينمى الطاقات التى فيه، والطاقات الأخرى العاملة معه، فعليه أن يستعين ببعض الوسائل المعينة، مثل:
 
1- عمل الله فى الإنسان: فلا شك أن النمو هو من عمل الله، معطى الحياة. ومهما كانت مجهوداتنا فهى بلا ثمر، ما لم يعمل الله معنا.
 
لذلك يقول الرسول بولس: «أَنَا غَرَسْتُ وَأَبُلُّوسُ سَقَى لَكِنَّ اللهَ كَانَ يُنْمِى. إِذًا لَيْسَ الْغَارِسُ شَيْئًا وَلاَ السَّاقِى بَلِ اللهُ الَّذِى يُنْمِى» (1كو 6:3-7). مهم أن نغرس، وأن نسقى، أى أن نجتهد ونعمل لأن «الإِيمَانَ بِدُونِ أَعْمَالٍ مَيِّتٌ» (يع 20:2)، والأعمال بدون إيمان هى ميتة أيضًا. لذلك قال الرب: «بِدُونِى (بدون الله) لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا» (يو5:15).
 
لهذا يحتاج القائد وكل من معه أن يصلوا من كل القلب، ليعمل الله فيهم، وفى العمل، وفى العاملين، لأن إمكانيات الله غير المحدودة، ستعمل حينئذ فى تلك الأوانى الخزفية المحدودة، «لِيَكُونَ فَضْلُ الْقُوَّةِ لِلَّهِ لاَ مِنَّا» (2كو 7:4).
 
2- تجارب الآخرين: فنحن لا نبدأ من الصفر، وعلينا أن نسترشد بمن هم قادرون على تقديم خبراتهم لنا. أما المعتدَّون بذواتهم، والذين تتضخم لديهم الذات، فإنهم يسقطون سريعًا.. لذلك فأفضل خادم هو من شعر بأنه تلميذ. وأذكر أن قداسة البابا شنودة الثالث، المعلم والراعى، حين سئل: «نحن ندعو قداستكم البطريرك المعلم»، أجاب قائلاً: «أما أنا فأدعو نفسى البطريرك التلميذ.. لأنى أتعلم كل يوم».
 
فبالاتضاع ننمو ونكتسب المزيد من المعرفة والمعلومات والخبرات.
 
3- الدراسة والتطوير: وذلك من خلال ما يسمى بالعصف الذهنى (Brain Storm)، والذى فيه نطرح من آن لآخر خدمتنا معًا، فى روح المحبة والتفاعل، ونبدأ بأن نتساءل: أين نحن الآن؟ ماذا عن واقع الخدمة اليوم؟ ما هى مستجدات الطريق؟ كيف التعامل معها؟ ما رؤيتنا نحو المستقبل؟ وكيف نحول هذه الرؤيا إلى خطة عمل، ومشروعات وتوقيتات محددة، وتوزيع مسؤوليات، ومتابعة، وتقييم، وتعديل.. إلخ. هذا «العصف الذهنى» سيحرك ركودنا، ويرفعنا من كسادنا، لكى نفكر فى المستقبل، ونخطط له جيدًا، بنعمة الله، وفى تسليم كامل. 4- توسيع القاعدة وتجديد الدماء: لأن إضافة المزيد من الأعضاء إلى مجموعة العمل، سوف تضيف: طاقات جديدة، وأفكارا جديدة، وحلولاً للمشاكل، وانتشارًا للعمل، وتوسعًا فى الخدمة.
 
وهذا ما فعله السيد المسيح حين اختار الاثنى عشر، ثم السبعين، ثم صاروا فى العنصرة «مِئَةٍ وَعِشْرِينَ» (أع 15:1)، وكانوا فى أحد الظهورات «خَمْسِمِئَةِ أَخٍ» (1كو 6:15)، وآمن فى يوم الخمسين «ثَلاَثَةِ آلاَفِ نَفْسٍ» (أع 41:2)، ولما حدث ضيق فى أورشليم، «فالَّذِينَ تَشَتَّتُوا جَالُوا مُبَشِّرِينَ بِالْكَلِمَةِ» (أع 4:8)، وهكذا نشروا المسيحية فى كل العالم المعروف آنذاك، بإمكانيات بسيطة ومتواضعة، لكن بمعونة إلهية عظيمة.
 
5- مراجعة العمل لاستكمال النقص وتصحيح الأخطاء: وهذا يحتاج منا أولاً أن يكون لدينا كمجموعة وكأفراد روح تقبل النقد، الذاتى والجماعى، وكذلك نية تعديل وتصحيح الفرد والمجموعة. ولذلك يجب أن تجتمع كل مجموعة عمل، وتراجع فى محبة واتضاع خط سيرها، وتسأل نفسها عن: الهدف، والخطة، ووسائل التحقيق، والعائد من الخدمة، كمؤشرات ظاهرة يمكن قياسها .
 
■ ■ ■
 
إن فى الشباب طاقات: روحية، وعقلية، ووجدانية، وبدنية، واجتماعية، وهى- فى يد الهنا العظيم- كنوز تحتاج إلى من يستثمرها فى بناء الفرد والأسرة ودور العبادة والمجتمع.. العمل كبير، والمسؤولية ضخمة، والاحتياجات متزايدة، لكن شعارنا الدائم هو «إن الله معنا»، وبه نستطيع أن نعمل الكثير.
 
* أسقف الشباب
 
بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع