الأقباط متحدون - مَن الذى يغازلُ إسرائيل؟
  • ٠٢:٢٦
  • الأحد , ١٦ ديسمبر ٢٠١٨
English version

مَن الذى يغازلُ إسرائيل؟

مقالات مختارة | بقلم : فاطمة ناعوت

٥٥: ١٠ م +02:00 EET

الأحد ١٦ ديسمبر ٢٠١٨

فاطمة ناعوت
فاطمة ناعوت

 كتب يقول: (عيد «حانوكا» اليهودى ينفع جداً يبقى احتفال للتوحيد.‏ يهوذا المكابى وقتها انتصر للتوحيد ضد الوثنية ولولا هذه الثورة ربما كان الشرق يعبد زيوس حتى اليوم.. ‏عيد سعيد).

 
كاتبُ تلك الكلمات، هو رئيس تحرير إحدى الصحف. ولم يتهمه أحدٌ بازدراء الأديان، بعدما نسب التوحيدَ ومحاربةَ الوثنية ليهوذا، وليس للأنبياء الصالحين: إبراهيم وموسى والمسيح ومحمد، عليهم جميعًا الصلاةُ والسلام. ولم يتهمه أحدٌ بمغازلة إسرائيل كذلك. لكن المضحك أن يخرج من تلك الصحيفة ذاتها بضعةُ صحفيين يتهموننى أنا «بمغازلة إسرائيل»؛ بسبب مقال كتبتُه عن العالِم المصرى اليهودى «ريموند شينازى»، مكتشف علاج فيروس سى، الذى اعتمدته مبادرةُ الرئيس عبدالفتاح السيسى فى حملة (مليون صحة) للقضاء على المرض الذى يفتك بأكباد المصريين.
 
المضحكُ فى الأمر أن مقالى ذاك مثل جميع مقالاتى وكتبى، كان مُعاديًا للكيان الصهيونى المحتلّ، ويمايزُ بين اليهودية (كعقيدة) وبين الصهيونية (كتوجه سياسى استعمارى). اتصلتُ برئيس تحرير تلك الجريدة، شاكيةً له ما جرى، فاعترف لى بأنه لا يقرأ جريدته قبل الطبع! واستنكرَ ما فعله صحفيوه، لأنه هو نفسه سبق أن هنأ اليهودَ بعيد «حانوكا» يوم ٥ ديسمبر الحالى. ووعدنى باعتذار رسمى من الجريدة فى اليوم التالى. ولم يأت الاعتذارُ، بل جنّد جريدتَه للتعريض بى، وتشويه اسمى مجدّدًا!
 
فى مقالى: (يهودُ مصرَ المصريون)، بجريدة (المصرى اليوم) بتاريخ (الخميس ١٣ سبتمبر ٢٠١٨)، قلتُ إن: اليهوديةَ: (عقيدةٌ)، بينما الصهيونية: (فاشيةٌ سياسية استعمارية). والمسيحية (عقيدةٌ)، فيما كانت الحروبُ الصليبية: (سياساتٍ استعماريةً)، مثلما الإسلامُ: (عقيدةٌ)، بينما الجهاديةُ والتكفيريةُ والإخوانيةُ والداعشيةُ ليست إلا سياساتٍ إرهابية، نُسمّيها: (تيار الإسلام السياسى)، تحاربُه مصرُ ويحاربُه كلُّ مسلم عاقل ومتحضّر. لهذا: ليس كلُّ يهودى صهيونيًّا. وليس كلُّ مسيحى صليبيًّا، وليس كلُّ مسلمٍ إخوانيًّا أو جهاديًّا أو تكفيريًّا أو داعشيًّا.
 
وأشدتُ فى مقالى باليهود المصريين الذين رفضوا قيام دولة إسرائيل فى فلسطين المحتلَّة، ورفضوا الهجرة إليها. فأثبتوا انتماءهم لوطنهم مصرَ؛ بالقول والفعل. ومازالوا يعيشون بيننا على أرض مصر حتى اليوم، وتقلّص عددُهم حتى أصبحوا أربعة أشخاص فقط. وفى مقالى: (فى المعبد اليهودى بالقاهرة)، بجريدة (المصرى اليوم) بتاريخ (الاثنين ١٠ ديسمبر ٢٠١٨)، أشدتُ بالبروفيسور المصرى اليهودى «شينازى»، الذى خرج من مصر حزينًا مع والده فى عمر الثالثة عشرة، لكنه عاد إليها عالمًا عظيمًا ليهديها دواءً يشفى مواطنيه المصريين من الفيروس القاتل. وحين سألته الإعلاميةُ «لميس الحديدى» فى برنامجها: «لماذا خرجتَ من مصر؟» لم يشأ أن يخوض فى المرارات التى لحقت باليهود المصريين بعد نشوء إسرائيل المحتلة فى فلسطين، مثل حرق محالهم فى مصر على يد الإخوان، مثل صيدناوى وشيكوريل وجاتنيو وغيرها بسبب الخلط الخاطئ بين العقيدة (اليهودية) والفاشية السياسية (الصهيونية).
 
بل أجابها البروفيسور ببساطة وحزن: «ظروف سياسية!» وسرعان ما أشرق وجهُه بالابتسام وهو يستعيد ذكرياته طفلاً، على شاطئ الأسكندرية. فاحترمتُ فى الرجل أنه لم يسمح للمرارة أن تُنسيه وطنَه وأبناءَ وطنِه، فعاد إلينا بالدواء الشافى فى حملة الرئيس السيسى. وقلتُ إن المرارةَ لا تعرفُ حلوقَ النبلاء. المرارةُ لا تحتلُّ إلا نفوسَ الصغار.
 
أعتزُّ بهذين المقالين من بين آلاف المقالات والمحاضرات التى كتبتُها. لأنهما يؤكدان رسالتى التى أنفقتُ عمرى فى رحابها: «الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن». وحصد المقالان استحسانَ قرائى على نحو مدهش، ووصلتنى رسالاتٌ وإيميلات تحمل ردودَ فعل رائعة تشيد بالمقالين، وتنتقد الجريدةَ التى تحاول تشويه اسمى والمزايدة على، من أجل فرقعة صحفية ساذجة، للمداراة على رئيس التحرير الذى نسب التوحيدَ ومنهاضة الوثنية إلى «رجل يهودى» لم يكن نبيًّا أو رسولا! ولن أذكر اسماء الصحفيين الذين طعنوا فى اسمى ورمونى بالذى فيهم؛ احترامًا للإجراءات القانونية فى مقاضاتهم. وهو ما يفعله الآن فريقُ المحامين الخاص بى.
 
أشكرُ اللهَ- تعالى- أننى اليومَ أقفُ على عشرين عامًا من الكتابة الأدبية والصحفية التنويرية الرصينة، والمنتظمة فى أرقى الصحف والمجلات المصرية والعربية. عقدان من الكتابة أنجزتُ فيهما سبعةً وعشرين كتابًا ما بين: الأدب والفكر والأنثروبولوجى والنقد الثقافى والترجمات والشعر، وأنتظرُ كتابين تحت الطبع مع معرض القاهرة الدولى للكتاب. وأما وطنيتى، فليست محلَّ تقييم أو مُساءلة. فكتبى ومقالاتى وحتى قصائدى المضفورةُ بعشق مصرَ؛ تشهدُ لى فى كل حرف من حروفها.
 
من المؤسف أن يخلطَ إنسانٌ بين «العقيدة» و«الجنسية» و«الوطنية» و«حقوق المواطنة المكفولة لجميع المواطنين بالتساوى بموجب الدستور». ومن المخزى والمُهين لمهنة الصحافة النبيلة، أن يخلط »صحفىٌّ» بين ما سبق من مصطلحاتٍ وتعاريفَ وقيم. تلك مصيبةٌ عظمى تستوجبُ أن تكون قضيةَ رأى عام. فكما أنه من الخطورة أن نترك نصلاً فى يد مَن لا يعقل، كذلك من الخطورة أن نترك القلمَ فى يد مَن لا يعلم.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع