دراما تبحث عن بطانة!!
مقالات مختارة | طارق الشناوي
الاثنين ١٧ ديسمبر ٢٠١٨
صار البعض منا وكأنهم الذراع الطويلة لجماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، يلعبون دور (الترمومتر الزئبقى) للمشاعر والذوق، يحددون لأفراد الشعب حدود المسموح حتى لا تنزلق قدمهم للمعصية والرذيلة والعياذ بالله، وهكذا يقدمون (روشتة) فنية لما ينبغى أن يتعاطاه المواطن من مأكل ومشرب وموسيقى وغناء ودراما. وفى الأيام الأخيرة أصبحنا نسمع عن (كود) لما هو خاص جدا فى حياة كل منا، وكأن واجباً علينا أن نلتقى فى طابور الصباح الباكر، ليؤكد كل منا لحضرة الناظر أنه ملتزم (وعلى سنجة عشرة)، كل من المبشرين بالأكواد يصدر لنا بأسلوب غير مباشر، أن هذا هو رأى الدولة، وهم منوط بهم إشهارها، والحاضر يبلغ الغايب.
يرفعون عادة شعار حب الوطن، والذى يقف فى مقدمة الأسلحة لتحقيقه الحفاظ على القيم الأخلاقية، مؤكدين أن الفنون غير الملتزمة بـ(الكود) هى أول معول هدم موجه ضد الإنسان وضد الوطن، وبالطبع مثل هذه الأفكار تلقى رواجاً فى الشارع، لا يمكن أن نغض الطرف عنه، مثلما أثار حفيظة قسط وافر منهم الفستان إياه الذى كان يبحث عن بطانة، ثم اتفقوا بعدها على أنه لا يوجد عيب فى الفستان ولا البطانة، ولكن فى المصور، الذى كان يؤدى واجبه ويصور بذمة، ما أرادت الفنانة أن يصوره أيضا بذمة.. ما علينا، ليست تلك هى المشكلة، فى نهاية الأمر انتهت الزوبعة وصارت الفنانة تنتظرها العالمية. ويبقى كود الدراما، الذى ستجد من أهم بنوده، وضع ريشة على رأس عدد من أصحاب الوظائف فى المجتمع، والتى يصفها (الكود) بالحساسة، مثل الضابط، وكأن القاضى أو الطبيب أو السباك ليست أيضاً لديهم وظائفهم الحساسة، كما أن الهدف الأسمى الذين يسعون للوصول إليه، هو تقديم مجتمع خال من التعاطى والفساد والانفلات.
كلنا نعلم أن الرقابة، ومنذ زمن بعيد، تمنع الاقتراب من رجال الشرطة، إلا بموافقة رجال الشرطة، أقصد أى عمل فنى يتناول ضابطاً أو جندياً يعرض أولاً على الداخلية وهى التى تملك قرار العرض، أما ضباط الجيش فإنه أساساً لم يحدث أن قدم عمل فنى عن ضابط جيش فاسد، المؤسسة العسكرية، لا أحد يقترب منها، عندما أخرج حسن الإمام المسلسل السينمائى (صاحب الجلالة الحب) عام 1983، الذى كان ينتقد الجيش المصرى فى 48، تدخل المشير عبدالحليم أبوغزالة، الذى كان وزيراً للدفاع فى ذلك الوقت وأوقف العرض، وأعيدت كتابة حلقاته الأخيرة، وعندما قال له صفوت الشريف، وزير الإعلام، وهو أيضا ينتمى للمؤسسة العسكرية، إن المسلسل يتناول الجيش قبل ثورة 52، أجابه المشير (الجيش هو الجيش).
(كود) الدراما نوع من المزايدة على إحساس الناس، ومن يتصدى لتقديم الاقتراح وترويجه حجتهم أن المتربصين بالوطن سوف يتحيّنون الفرصة لو وجدوا عملاً فنياً ينتقد وضعاً ما، وأن سمعة مصر ستنهار لو أننا قدمنا شباباً يتعاطون المخدرات.
الدراما التى يبشرون بها بعد أن أخضعوها للتعقيم، سوف تؤدى لا محالة إلى نفور المشاهدين من الشاشة، زمن الريموت والأقمار الصناعية لم يعد يعترف بـ(اليونيفورم) الموحد، البدائل صارت منتشرة، بآلاف القنوات.
الأزمات تتلاحق على الفن المصرى بكل تنويعاته، وشبح البطالة يتربص بهم، والحل لا يمكن أن يصبح فرض (كود)، ولكن بفتح الأبواب المغلقة وتحطيم كل (الأكواد).
نقلا عن المصري اليوم