الأقباط متحدون - الكاتبة ورئيسة الحكومة
  • ٠٢:٥٠
  • الاثنين , ١٧ ديسمبر ٢٠١٨
English version

الكاتبة ورئيسة الحكومة

مقالات مختارة | نوال السعداوي

٤٤: ٠٧ ص +02:00 EET

الاثنين ١٧ ديسمبر ٢٠١٨

نوال السعداوي
نوال السعداوي

فى الطائرة المصرية إلى لندن، أوائل الشهر الأخير من هذا العام ٢٠١٨، ابتسمت المضيفة وهى تقدم لى عصير الجوافة، من أجل هذه الابتسامة المشرقة، أفضل مصر للطيران عن غيرها من طائرات العالم، ومن أجل عصير الجوافة أيضا، لماذا لا تزرع بلاد العالم أشجار الجوافة؟ فاكهتى المفضلة منذ طفولتى، تسرى نكهتها فى دمى فيغزونى الفرح العميق من حيث لا أدرى، كأنما أعود إلى حضن الأم الغائبة منذ ستين عاما، أو أسابق الفراشات البيضاء فوق الحقول الخضراء.

إلى جوارى كان المقعد خاليا، لحسن الحظ، فأنا لا أجيد الحديث أثناء السفر، مع النساء أو الرجال، وإن كانت فرجينيا وولف، أو زوربا اليونانى، وأفضل الصمت مع مشاهدة السحب، والتحديق الطويل فى السماء السابعة أو ربما الثامنة، هل كنت أبحث عن الإله رع؟ أو إزيس إلهة المعرفة، أو ربما سخمت إلهة الطب؟ كما أن الاستحواذ على مقعدين اثنين، بدلا من مقعد واحد، يمنحنى نوعا غامضا من السعادة، كأنما أسترد حقى الضائع منذ الولادة، أو أنجح فى سرقة كتاب شيق باهظ الثمن، من تاجر رأسمالى جشع.

الخميس ٦ ديسمبر ٢٠١٨ السابعة صباحا، يرافقنى «ريك» المسؤول الإعلامى بدار النشر الإنجليزية «زيد»، إلى مبنى الإذاعة البريطانية، «راديو ٤ برنامج اليوم»، وقد تم ترتيب حوار لى مع «جون هامفريز» حول ما يحدث فى العالم، وكنت أفضل النوم فى سريرى الدافئ بالفندق عن الخروج مبكرا فى شتاء لندن، لكن «ريك» قال فى حماس، مؤكدا أن هذا أهم برنامج إذاعى يسمعه الملايين فى الراديو داخل سياراتهم، أثناء الطريق إلى أعمالهم فى الصباح الباكر، وقال أيضا إن «جون هامفريز» من أشهر الصحفيين والمحاورين الإنجليز، وأكثرهم شجاعة فى النقد.

فى المصعد داخل مبنى الإذاعة لمحت « تيريزا ماى» رئيسة الوزراء، بكعبها العالى والقبعة والماكياج … الخ، انتهت منذ لحظات من إذاعة حديثها فى الوقت نفسه الذى كان مخصصا لى، وأدى ذلك إلى تأجيل حديثى ساعة كاملة، مما أثار غضبى، وأردت الانسحاب، لولا اعتذار المسؤولين بالإذاعة، ولم يكن اعتذارهم كافيا لإنهاء غضبى، فأعلنت على الهواء مباشرة (بعد أن سألنى جون هامفريز: أيعود العالم إلى الوراء؟) قلت بحدة مؤكدة، نعم، يعود العالم إلى الوراء، والدليل على ذلك، هو ما حدث اليوم فى الإذاعة البريطانية، من تأجيل حديثى المتفق عليه سابقا، بسبب حديث تيريزا ماى الطارئ، والمعروف أن الكتاب والكاتبات، فى البلاد المتحضرة، أكثر أهمية من رؤساء الحكومات والدول، بالإضافة إلى احترام الموعد، وبدا الابتهاج على وجه الصحفى المحترم، وأيد كلامى فى حماس، لكن زميلته الإعلامية، كشرت عن أنيابها، وسألتنى عن ختان البنات وتحرش الرجال بالنساء والقهر الجنسى الواقع على المرأة المصرية، وقلت بسخرية إنجليزية باردة، إن مشكلة ختان الإناث والذكور، عالمية تاريخية، ولا تخص بلدا واحدا، كما أن القهر السياسى الداخلى، والاستعمار الخارجى، لا ينفصلان عن القهر الطبقى الجنسى، للنساء والفقراء والملونين والمهاجرين.

وجاءتنى البرقيات والتغريدات المهنئة عبر الإنترنت، من الإنجليز والإيرلنديين والعرب المهاجرين، والمقيمين فى بلادهم المنكوبة، وغيرهم من مقهورى العالم.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع