الدين لله والوطن للجميع
مقالات مختارة | محمد أبو الغار
الثلاثاء ١٨ ديسمبر ٢٠١٨
خلال الأسابيع الماضية، أثير بكثافة فى الصحف موضوع قديمٌ، كان يصعد إلى السطح ثم يختفى كل فترة. وفى أزمنة سابقة أدى هذا الخلاف العقائدى حول دور السنة النبوية الشريفة إلى الاقتتال أحياناً.
كان لشيخ الأزهر ولرئيس الجمهورية رأيان مختلفان، وانتصر البعض لهذا الرأى والبعض للآخر، وكانت آراء عامة الشعب والمفكرين والصحفيين متباينة وبها اختلاف كبير. دعانى هذا السجال إلى التفكير فى الأمر بعيداً عن دين بعينه، وإنما فى الأديان السماوية وغيرها والتى تمس حياة مئات الملايين من البشر فى كافة أنحاء الدنيا.
نعلم جميعاً أن الإنسان يكتسب دينه بالمولد، ويرثه من أبويه، ويعيش الإنسان فى كنف هذا الدين ويستمع طوال الوقت إلى عظمة هذا الدين ونقائه.
الأغلبية العظمى لمن يولد يهودياً أو مسيحياً أو مسلماً أو بوذياً أو هندوسياً أو غيرها يظلون على دينهم الذى ولدوا عليه. البعض يصبح شديد التدين، والبعض يكون أقل تديناً. وقلة نادرة هى التى تتخلى عن الدين الذى ولدت عليه أو تنتقل إلى دين آخر، غالباً لأسباب دنيوية كالزواج أو العمل أو الهجرة.
معظم البشر على وجه الأرض مرتبطون بدين ما. أما الدول، فالمعيار الوحيد لأن يطلق عليها اسم دين هو أن غالبية سكانها من دين معين. ولكن هذا لا يعنى أن ألمانيا مثلاً يمكن أن تسمى دولة مسيحية وليبيا دولة مسلمة والهند دولة ملحدة. هذا أمر غير منطقى لأن الدولة ليست إنساناً يصلى ويصوم، والدولة لم تولد مثلاً من أب مسيحى فتصبح دولة مسيحية، ومعظم دول العالم مواطنوها ينتمون إلى ديانات مختلفة، فإذا قررنا مثلاً أن ألمانيا دينها المسيحية لأن أغلب سكانها مسيحيون فماذا عن المسلمين أو الهندوس الألمان الذين يعيشون فيها؟
الدين لله والوطن للجميع
... ولذلك فيرى الكثيرون أن الأفضل للدول أن تكون محايدة بين الأديان، وتختار قوانينها وقواعدها من التجارب البشرية السابقة ومن الأفكار السامية فى الأديان التى تحقق العدالة والمساواه بين كافة البشر. ولنتذكر كم غضبنا جميعاً حين أعلنت إسرائيل أنها دولة يهودية، ونسيت أن بها مسلمين ومسيحيين.
إذا رجعنا بالتفكير إلى تاريخ أوروبا فى القرون الوسطى، لوجدنا أن الكنيسة اعتبرت العلماء والمفكرين الذين غيروا البشرية، وقدموا أبحاثاً عظيمة مهرطقين، وحكمت عليهم بالإعدام، وحجرت على حرية التفكير والبحث. وكانت اللحظة الحاسمة لبدء تطور أوروبا نحو مستقبل أفضل اقتصادياً وعلمياً هو فصل الدين (دور الكنيسة) عن الدولة، فانتفضت الأفكار، وانطلق العلم وتقدمت أوروبا بقفزات واسعة إلى الأمام.
الآن كل دول الغرب فى أوروبا وأمريكا تفصل بوضوح بين الدولة والدين ممثلاً فى الكنيسة. والقانون واضح، لا يمنع المواطن من الاهتمام بدينه والالتصاق به ولا يعاقبه إذا ابتعد عنه، لأن هذا أمر بين الإنسان وربه، ولا يجب أن يتدخل فيه شرطى أو مأمور.
الدين فى منطقتنا شديد الأهمية بالنسبة لأغلب المواطنين مسلمين أو مسيحيين، وهو قد يلعب دوراً إيجابياً فى التعليم وجمع الأموال للفقراء وللمشروعات الخيرية وقد يلعب دوراً سلبياً إذا أسىء استخدامه فى العنف وقتل الأبرياء باسم الدين. الدين هو أمر شديد الخصوصية بين الإنسان وربه، وإذا شاهدت الذين يصلون، كم منهم خاشع وقريب من ربه يناجيه، ويتواصل معه فى روحانية جميلة، وكم منهم يؤدى الصلاة، وهو يفكر فى أمور دنيوية بعيدة عن الحالة الروحانية. هذا أمر لا يستطيع أن يقرره بشر.
الخلافات العقائدية موجودة فى كل الأديان. دع كل إنسان يفكر، ويقتنع بما يراه، ويلتزم به فى علاقته مع ربه. أما أن نجعل هذه الخلافات العقائدية معركة ينتصر فيها مجموعة، وتفرض رأيها على الآخرين، وتضع قوانين لتطبيقها، وتعاقب من لا يطبقها، فهو لن يصل بنا إلى شىء.
إذا طبقنا فعلياً مبدأ الدين لله والوطن للجميع، فسوف نكون أسعد حالاً، وسوف تحل تلقائياً الخلافات المذهبية داخل الدين الواحد وبين الأديان المختلفة، وسوف تحل مشاكل يومية مثل كتابة الديانة فى البطاقة.
كل واحد يعبد ربه بالطريقة التى اقتنع أنها المثلى فى تقربه من الرب. سوف يتوقف النصب باسم الدين والتجارة باسم الدين ولن يستغل تاجر طويل اللحية الدين فى جلب الزبائن، بل سوف يسعى أن يكون أميناً ولا يغالى. ولا تنسوا أن هذا الشعار ظهر أثناء ثورة 1919 ضد الاحتلال الإنجليزى، وبه عاش المصريون فى سلام، وكانوا أكثر تديناً، وأقل كلاماً فى الدين. إذا طبقنا ذلك فقد ينحسر الإرهاب، ويحل السلام داخل كل دين وبين مختلف الأديان.
قوم يا مصرى مصر دايماً بتناديك
نقلا عن المصري اليوم