الأقباط متحدون - فى حب عمر خيرت
  • ١٦:٤٥
  • الخميس , ٢٠ ديسمبر ٢٠١٨
English version

فى حب عمر خيرت

مقالات مختارة | خالد منتصر

٤٠: ٠٧ ص +02:00 EET

الخميس ٢٠ ديسمبر ٢٠١٨

عمر خيرت
عمر خيرت

خالد منتصر
الاثنين الماضى كان ميعادى مع الفن الذى بدونه تكون الحياة خطأ، كما قال «نيتشه»، مع الموسيقى، أذهب إلى حفل عمر خيرت فى الأوبرا وكأننى مراهق مقبل على موعد غرام، هو متعة نفس وعلاج روح، والأهم أنه اطمئنان على مصر، فبلد ما زال فيه عمر خيرت هو بلد من الممكن أن تطمئن عليه وإليه!! هكذا همست لنفسى، وأنا أستمع إلى شوبان مصر، هذا الساحر الذى تُطبطب أنامله على وجداننا، تهدهد شغاف قلوبنا، وتمسح ملح العبَرات الذى جفّ من ركام الأحزان من على مآقينا، المهم أن يبقى عمر خيرت، والأهم أن يبقى متذوِّقو عمر خيرت على العهد والوعد، فالوطن الذى يتذوق فيه المواطن موسيقى عمر خيرت، ويشترى تذكرته من السوق السوداء، ويحجز حفلاته قبلها بشهور، هو وطن لا يمكن أن يموت، من الممكن أن يمرض وترتفع حرارته ويهلوّس أثناء الحمى، ثم يستيقظ عندما تستيقظ مناعته وتُستفَز إمكانياته المخبوءة المهدرة، فالإرهاب يموت يوم أن يسكن التمثال واللوحة والكونشيرتو والباليه وجدان المصرى، فمَن يتذوق تلك الإبداعات لا يمكن أن يُشهر سكيناً أو يبقر بطناً أو يفجّر كميناً، لأنه ببساطة سيحب الحياة، عمر خيرت لا يجيد الكلام والثرثرة، اللغة الوحيدة التى يجيدها هى لغة الفن والموسيقى، هو يعرف أنه حفيد الفراعنة وسليل عائلة خيرت العبقرية، ويعرف أن عليه واجب الحفاظ على هذين اللقبين، كانت حفلة عمر خيرت مزدحمة ولا يوجد كرسى واحد فاضى!، اعتبرته خير تصويت على أن وجدان مصر ما زال فيه الرمق، ما زال يعافر، شباب وكهول، رجال ونساء، يتشبثون بأهداب الفن السحرية، تطبطب على أرواحهم أنامل عمر خيرت السحرية، دموع الجمهور وهو يعزف (فيها حاجة حلوة) تصرخ بأن مصر بالفعل فيها حاجات كتير حلوة يجب البكاء عليها لو ضاعت، تفاعلهم مع (يبقى انت أكيد المصرى) تشبث بالجذور الوسطية الأصيلة للمصرى المتجرد من عباءة بدو الوهابية، أخذنا عمر خيرت إلى جنة الفن وفردوس الإبداع، أيقن الجميع أن أعداء الفن هم أعداء الحياة، عرفنا أن مَن لا يهتز لنغمة أو يطرب لإيقاع فهو غير جدير ببناء حياة ومستقبل، مَن لا يبكى عندما يشاهد فيلم (نهر الحب) أو (حبيبى دائماً)، ولا يضحك عندما يشاهد الريحانى أو عادل إمام ويتذكر فقط أن الأول مسيحى والثانى يستحق السجن! فهو غير مؤهل لخوض مغامرة تغيير مجتمع وبناء وطن، مَن يرى فى راقصة الباليه مجرد ملابس قصيرة تثير غريزته الجنسية هو إنسان مريض نفسياً مكانه مستشفى الخانكة، ولا ينبغى أن تكون له المرجعية! ومَن يستمع إلى مزامير الشيطان فى موسيقى الساحر عمر خيرت فهو أصم غليظ الحس متبلد الوجدان.

استمعوا إلى عمر خيرت فى هذه الأيام الصعبة، احتفوا واحتموا بموسيقاه، ارقصوا واطربوا وفكّوا صواميل الكبت والقهر والتزمُّت، وذَوِّبوا نشا الصمت والتواطؤ والخوف على إيقاع موسيقى هذا العبقرى الجميل.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع