الأقباط متحدون - الأقباط والدولة الفاطمية (جزء ثالث)
  • ٠٧:١٢
  • الخميس , ٢٠ ديسمبر ٢٠١٨
English version

الأقباط والدولة الفاطمية (جزء ثالث)

فاروق عطية

مساحة رأي

١٦: ١٠ ص +02:00 EET

الخميس ٢٠ ديسمبر ٢٠١٨

الحاكم بأمر الله
الحاكم بأمر الله

فاروق عطية

الأقباط تحت خلافة الحاكم بأمر الله (996-1020م):
الحاكم بأمر الله هو المنصور بن العزيز بأمر الله، ولد في مصر عام 985م من أم مسيحية، تولى الخلافة خلفاً لأبيه وهو في سن الحادية عشر تحت وصاية برجوان (الصقلّي) الذي كانت فترة وصايته مليئة بالإضطرابات نتيجة صراعه مع قائد الجيوش أبو محمد الحسن بن عمار، والذي كان بدوره قد قتل عيسى بن نسطورس وتولى موقعه ككاتم لأسرار الخليفة ورئيس ديوانه.

اتسمت فترة حكمه بالتوتر، كان على خلاف مع العباسيين الذين كانوا يحاولون الحد من نفوذ الاسماعيليين مما حدا بهم لإصدار مرسوم عام 1011م ينص علي أن الحاكم بأمر الله ليس من سلاله علي بن أبي طالب. كما انهمك أيضا في صراع مع القرامطة.

حين انفرد برجوان بالسلطة عين فهد بن ابراهيم وهو قبطي كاتباً له وكاتماً لاسراره ومنحه لقب الرئيس. جنح برجوان للطغيان والاستبداد معتبرا نفسه الخليفة الحقيقى، مستصغرا خليفته الحاكم واستغل منصبه في تكوين ثروة ضخمة، بالإضافة إلى انشغاله باللهو والملذات منصرفا عن شئون الدولة التي تعطلت وفسدت، ناسيا أن الحاكم قد جاوز مرحلة الصبا ودخل مرحلة الشباب وصار متنبها لأفعاله، لذا قام الخليفة عام 1000م بتدبير مؤامرة لاغتياله ثم قام بعد ذلك بالتخلص من رجاله في الجيش والقصر. استدعي الخليفة فهد بن ابراهيم وطمأنه واستوزره. وعندما كثرت الدسائس حول فهد، فهم الخليفة الرسالة الموجهة له وهي أن جموع المسلمين لا يريدون وزيراً مسيحياً فسمح باغتياله، ولكن حرص على حماية ابنائه حتى لا يتعرضوا هم أيضاً للقتل أو النهب.

رغم بداية عهد الحاكم بأمر الله بالعطف والثقة في المسيحيين إلا أنه أمام رغبة المسلمين السنة ودسائسهم، وحتى يوطد أركان حكمه أمر بقتل عدد من أعيان الأقباط كما فصل عدداً آخر من وظائفهم ولم يستبق منهم في الوظائف سوى من لا يستطيع الإستغناء عنه. تزعّم المسلمون في دسائسهم ضد الأقباط المسيحيين اثنان من الكتاب هما أبو طاهر وأبن العداس الكاتبان الذان وصلا إلى أعلى المناصب نتيجة دسائسهما، وقد دأب الأثنان على تنفيذ مخطط معاد للمسيحيين في مصر وسوريا. بعد أن وطد الحاكم بأمر الله سلطته بدأ عام 1004م في إضطهاد الأقباط والسنة. الزم الأقباط بلبس الغيار (ملابس مغايرة لملبس المسلمين)، وعلق في مساجد السنة عبارات اهانة لأبي بكر وعمر وعثمان وعائشة. منع بعض الأطعمة المفضلة للمصريين كالملوخية والجرجير والمتوكلية والزبيب والعنب والرطب، منع عجن الخبز بالأرجل، منع من ذبح البقر إلا في أيام الأضاحي ولا يذبح منها إلا ما لا يصلح للحرث، نودي في الطرقات ألا يدخل الحمام أحد إلا بمئزر وألا تكشف امرأة وجهها في طريق ولا خلف جنازة ولا تتبرج. لا يباع أي نوع من السمك بدون قشر ولا يسمح للصيادين باسطياده. وألزم المسيحيين أن تكون الصلبان في أعناقهم إذا دخلوا الحمام، وألزم اليهود أن يكون في أعناقهم الأجراس إذا دخلواالحمام.

في عام 1008 شدد الحاكم بأمر الله القيود على الأقباط المسيحيين وزاد في اضطهادهم وألزمهم بلبس العمائم السوداء، ومنع أثريائهم من أقتناء العبيد والإماء او استخدام المسلمين. كما أمر بهدم عدد من الكنائس بالقاهرة، كما أمر بهدم كنيسة القيامة بالقدس وهو الحدث الذي لاقى الرفض ليس فقط من مسيحي الشرق بل أيضاً من مسيحي الغرب وكان هذا أحد أسباب الحروب الصليبية. في عام 1009م اصدر أوامره بإلغاء الأعياد المسيحية ومنع المجاهرة بالاحتفال بها في جميع البلاد، كما صادر أوقاف الكنائس والأديرة لحساب بيت المال كما أمر بنزع الصلبان من الكنائس. في عام 1011م أصدر أمراً بأن يعلق الأقباط حول أعناقهم صلباناً من الخشب أو النحاس طوله زراع ووزنه خمسة أرطال على أن يكون مكشوفا حتي يراه الناس (ترك زنجار النحاس علامة زرقاء علي أعناقهم لذا سمي الأقباط بالعظمة الزرقاء) وأن يُعلق اليهود في أعناقهم خشبًا مدوّرًا زنة الخشبة منها خمسة أرطال وهي ظاهرة فوق ثيابهم. ومنعهم (مسيحيين ويهود) من ركوب الخيل وأن يكون ركوبهم للحمير والبغال، نفذ هذا الأمر على العامة كما على الموظفين الأقباط المسيحيين دون أستثناء. عام 1013م اصدر أمراً بهدم وسلب الكنائس والأديرة الموجودة في الديار المصرية بلا إستثناء، وأوكل إلى موظفيه متابعة التنفيذ ومن يتقاعس يتعرض للعقاب، وأباح للعامة نهبها وضبط أوقافها وأحباسها وكل مالها، وقبض علي القسس وقتل منهم عددا عظيما وهرب كثير منهم إلى الأديرة البعيدة فتبعهم وقتل الكثير وقيض على الأب زكريا البطريرك وألقاه للسباع التي لم تؤذه، وأكره المسيحيين على الإسلام فأسلم منهم الكثير. مع كل قرار من قرارات الحاكم السابقة كان جمهور الغوغاء من المسلمين يجدونها فرصة لتنفيث عدائهم للمسيحيين، وصل بهم هذا العداء إلى نبش قبور المسيحيين وأخذ عظامهم واستخدامها كوقود.

حتي لا يواجه الحاكم بأمر الله فئتين مخالفتين له في الملة هما الأقباط المسيحيين والسنة، كثف من إضطهاد الأقباط المسيحيين ليضعهم بين خيارين هما الموت أو قبول الاسلام. ولجأ كثيرون من المسيحيين للخيار الأخبر هرباً من الإضطهاد وليس حباً في الاسلام، كما هرب كثير من الأقباط إلى مناطق الإمبراطورية البيزنطية، وعاد الأقباط للممارسة طقوسهم الدينية سراً كما كان المسيحيون الأوائل. هكذا يمكن القول أن أقسى إضطهاد واجه الأقباط بعد إضطهاد دقلديانوس كان إضطهاد الحاكم بأمر الله، إضطهاد لم يتطوع أي مؤرخ مسلم لتبريره، وإن كان البعض قد سعى لتخفيف وحشيته بنسبها إلى إختلال قوى الحاكم العقلية، والذي يرد عليه بعدم قبوله فكيف يتسنى لمختل عقليا أن يُحكم سيطرته على إمبراطورية كبيرة وهو في سن السادسة عشر كما فعل هو ؟.

كان الحاكم بأمر الله يتبع الطائفة الإسماعيلية إحدي طوائف الاسلام الشيعي. وقد بالغ الحاكم بأمر الله في تدينه حتى وصل إلى ادعاء الألوهية، ففي آخر أيامه ظهر رجل يدعي دراز لفق للخليفة دين جديد يعترف بألوهية الحاكم (المعروف الآن بمذهب الدروز) فارتاح الحاكم لهذه الديانة الجديدة وكان يصعد كل يوم لجبل المقطم ليمارس طقوسه. والغريب الذي يتنافى مع المنطق هو انه بعد أربعة سنوات من إدعائه الألوهية (تحديداً عام 1018م) بدأ من جديد في أظهار التسامح نحو الأقباط، منحهم حق إعادة إعمار الكنائس والأديرة والعودة إلى إقامة الصلوات بها، كما رد أوقاف الكنائس والأديرة والسماح لبعض المرتدين عن المسيحية بالعودة إليها، وفي نفس العام (1018م) أصدر أمراً بإعادة بناء كنيسة القيامة من جديد، (ولكن هذا الأمر نفذ في خلافة أبنه). يذكر المؤرخ سعيد الأنطاكي صداقة الحاكم بأمر الله للأنبا صلمون أسقف دير سانت كاترين ودير القصير الملكاني، كذلك أرتدائه ملابس الرهبان في قصره وفي تحركاته. كما يذكر نفس المؤرخ أن الحاكم صرف من ماله علي إعمار دير القصير وكان يشرف علي العمل بنفسه.

اختفى الحاكم بأمر الله فجأة في 2 فبراير عام 1921م وقيل إنه هرب او قتل. يظل أختفاء أوموت الحاكم بأمر الله سراً يحيط به الغموض، حيث أختفى نهائياً أثناء أحدى جولاته ولم يعد. ينسب البعض أختفائه كنتيجة لإغتياله في مؤامرة من تدبير أخته ست الملك لأسباب شخصية، في حين يرى البعض أنه هو نفسه الذي آثر الهرب والاختفاء بدليل تركه أموالا لوالدته، كذلك منعه لخدمه وحرّاسه من أن يتبعوه في تلك الجولة، وأياً كان عن موته أوإختفائه تبقى الحقيقة الوحيدة أن فترة حكم الحاكم كانت فعلياً فترة القضاء نهائياً على نفوذ الأقباط المسيحيين بحيث لم يعد لهم تأثير في المجتمع فيما بعد.

ويمكن التدليل على أحوال الأقباط في عهده بما ذكره المقريزي في كتابه الخطط ج4, ص 398ـ400 فيقول " قدم اليعاقبة زخارياس بطريركاً، فأقام ثماني وعشرين سنة منها في البلايا مع الحاكم بأمر الله تسع سنين، فإعتقله منها ثلاثة أشهر، وأمر به فالقي للسباع هو وسوسنة النوبي فلم تضره. وفي بطريركته نزل بالنصارى شدائد لم يعهدوا مثلها، وذلك أن كثيراً منهم كان قد تمكن من أعمال الدولة حتى صاروا كالوزراء، وتعاظموا لاتساع أحوالهم وكثرة أموالهم فاشتد بأسهم وتزايد ضررهم ومكايدتهم للمسلمين، فأغضب الحاكم بأمر الله ذلك، وكان لا يملك نفسه إذا غضب. وأخذ (الحاكم بأمر الله) في هدم الكنائس كلها واباح ما فيها وما هو محبس عليها للناس نهباً وإقطاعاً، فهدمت بأسرها ونهب جميع أمتعتها، وأقطع أحباسها وبنى في مواضعها المساجد. وأذن بالصلاة في كنيسة شنودة بمصر، وأحيط بكنيسة المعلقة في قصر الشمع. وكتب إلى ولاة الأعمال بتمكين المسلمين من هدم الكنائس والديارات، فعم الهدم فيها من سنة 403ﻫ (1013). ذكر من يوثق به في ذلك أن الذي هدم ألى آواخر 405ﻫ (1015) بمصر والشام وأعمالها من الهياكل نيف ثلاثون ألف بيعة، ونهب ما فيها من ألات الذهب والفضة وقبض على أوقافها وكانت أوقافها جليلة. ثم ألزم اليهود والنصارى بخروجهم كلهم من أرض مصر إلى بلاد الروم، فاجتمعوا بأسرهم تحت القصر من القاهرة، واستغاثوا ولاذوا بعفو أمير المؤمنين حتى أعفوا من النفي. وفي هذه الحوادث اسلم كثير من النصارى.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
حمل تطبيق الأقباط متحدون علي أندرويد