الدواعش «المؤلَّفة جيوبهم»
مقالات مختارة | سحر الجعارة
الاثنين ٢٤ ديسمبر ٢٠١٨
سحر الجعارة
تخيَّل البعض أن تنظيم «داعش»، الأكثر دمويةً بين التنظيمات الإرهابية، لن يدخل مصر إلا على رأس بوارج حربية، وأن لدينا رباً وجيشاً يحميانا، وقد كتبت آنذاك أن «داعش» سوف يستوطن سيناء بمجرد مبايعة أحد التنظيمات الإرهابية لأمير «داعش»، لينشر أيديولوجية «داعش» وإطاره التنظيمى وأدبياته فى مصر لاستحلال الأموال والأعراض والممتلكات وسبى النساء واغتصابهن.. وكررنا مراراً عبارة «الإسلام برىء من أفعال داعش»، وهى خدعة تبرر عدم تكفير الأزهر لهذا التنظيم الوحشى، وتمنح أنصاره فكرياً الفرصة لنشر تعليماته.. ثم خصصت جريدة «الوطن» ملفاً كاملاً عن «الدواعش العائدون» وفنَّدت منهج وأسلوب «الذئاب المنفردة».. وكان شاب مثل محمود شفيق، مفجِّر الكنيسة البطرسية، نموذجاً لمن اطلع على التراث الفقهى المفخخ بفتاوى القتل والمرصَّع بالجنة الموعودة وبنات الحور، وحين توفر لديه المال والسلاح تحوَّل إلى حزام ناسف انفجر فى المصلين الأبرياء! وكان من الصادم والمؤلم أن تخرج علينا الدكتورة سعاد صالح، أستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر، بفتوى مثيرة للجدل، مفادها أن النساء أسيرات الحروب مِلك يمين رجال المسلمين «من أجل إذلالهن وإذلال الخصم»، الأمر الذى اعتبره كثيرون ترويجاً للفكر الداعشى، وإباحةً لجرائم الاغتصاب الوحشية التى تمارَس باسم «الغزو الإسلامى لإقامة دولة الخلافة»!.
ومن بعدها أطلق الدكتور عبدالمنعم فؤاد، عميد كلية العلوم الإسلامية للوافدين بجامعة الأزهر، هو أيضاً فتواه بتحليل «مِلك اليمين»، وقال: «إن الإسلام ضيّق عليه وخنقه»، وأضاف أن هذا «الدواء» موجود، و(الإسلام صالح لكل زمان ومكان.. ونظام ملكات اليمين زى الدواء، يعنى فى حالة قامت حرب على المسلمين من الآخرين، وأبطلت قوانين الأمم المتحدة يعود الأمر كما كان ويرجع نظام ملك اليمين)!. هل ما زلتم تتعجبون من تعرُّض سائحتين تحملان الجنسيتين النرويجية والدنماركية، لحادثة اغتصاب وقتل، فى قرية فى جبال أطلس المغربية، بمنطقة تُعرف باسم «سيدى شمهروش»؟! هل صدمكم الفيديو الذى بثه تنظيم «داعش» لمشهد القتل وسفك الدماء؟ ألم تستمعوا إلى شيوخ السلفية وهم يدعون الناس إلى التقرب إلى الله بالقتل والتلذذ بالذبح «حز العنق»؟!. لو علمتم أن «داعش» قد احترف السطو على الأوطان وصناعة الإرهاب ليصبح التنظيم الأكثر ثراءً فى العالم، بعدما استولى على منابع النفط فى الدول التى احتلها، لعرفتم لماذا يرهبون الناس ببث هذا الفيديو مثل عشرات مشاهد القتل التى نشروها، لنستسلم لمنطق شاذ يعتبر «القتل والذبح نُصرة لدين الله».. ولفهمتم لماذا يصرون على ترديد آيات القتل والجزية ويتوعدون الكفرة بالذبح لخروجهم عن شريعتهم الدموية.. وهذا ليس بعيداً عما روَّج له الداعية المدلَّل عبدالله رشدى، والشيخ المبعَد سالم عبدالجليل!.
نحن لسنا بعيداً عن «داعش»، إنهم يسكنون بين ضلوعنا، ويتسللون تحت جلدنا، ثم يتجسدون فى صور الخراب والدمار التى تخلِّفها العمليات الإرهابية.. فدعونا نعترف: «نحن داعشيون فكرياً»!. ما دام صوت «التحريض على القتل» هو الأعلى صوتاً، وفتاوى السبى والاتجار بالرقيق لها منظومة إعلامية مموَّلة بسخاء، وخلفها مؤسسة دينية رسمية لها حصانة، ولديها «كتائب حسبة» ترهب تيار الاستنارة.. ما دام فى هذا البلد قانون يسمى «ازدراء الأديان»، لا يسرى على مَن يُحلل وطء البهيمة، وترقيع غشاء البكارة، واغتصاب الزوجة فى الفراش، «مثل سعاد صالح»، فلا أمل فى الإصلاح الدينى. سيدَّعى البعض أن مشهد اغتصاب السائحتين فى المغرب لن يحدث فى مصر.. واسمحوا لى أن أعلنها من هنا: لقد حدث بالفعل، فى عملية تهجير الأقباط من «العريش» وقتل المسيحيين «على الهوية»، لأنهم «كفار» بمنطق علماء الأزهر، ومشايخ السلفية المتحصنين خلف متاريس «الأحزاب الدينية»!.
أما إن كنت ممَّن آمنوا بأفكار هؤلاء، واعتبرت أن الأقباط «كفار»، فانتظر دورك فى صفوف الاغتصاب والقتل، لأن التكفير أصبح على الفكر أو الملبَس، ولأن «داعش» هناك لا يختلف عن الدواعش هنا من «المؤلَّفة جيوبهم»!.
نقلا عن الوطن