مغزى قرار ترامب (87)
السبت ٢٩ ديسمبر ٢٠١٨
مراد وهبة
فى 20/ 12/2018 أصدر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قراراً بالانسحاب من سوريا. ثم تساءل: هل تريد أمريكا أن تصبح شرطى الشرق الأوسط وألا تحصل على شىء سوى بذل الأرواح الغالية وإنفاق تريليونات الدولارات لحماية آخرين لا يقدرون فى معظم الأحيان ما نقوم به؟
وفى اليوم التالى استقال وزير الدفاع الأمريكى جيمس ماتيس وهى الاستقالة رقم 42 فى سلسلة الاستقالات التى قدمها مسؤولون أمريكيون منذ تولى الرئيس الأمريكى مهامه فى يناير 2017. والمغزى هنا أن رؤية ترامب المستقبلية تدخل فى تناقض حاد مع سياسة الحزب الجمهورى الذى ينتمى إليه.
وفى سياق سابق أعلن ترامب عن «صفقة القرن» وكان يعنى بها رؤية مستقبلية لإنهاء الصراع الفلسطينى الإسرائيلى. إلا أنها فى سياق قرار ترامب بالانسحاب من سوريا يمكن أن يقال عنها إنها «رؤية القرن» وهى عبارة عن مسألتين: أمريكا أولاً وحماية أمن إسرائيل ثانياً.
وكان الرئيس الإسرائيلى نتنياهو قد صرح بأنه كان على علم مسبق بقرار الرئيس ترامب. وأغلب الظن أن دول الخليج ومصر والأردن كانوا على علم أيضاً بذلك القرار. وأنا أضيف إليهم الرئيس السودانى عمر البشير. وتبريرى لهذه الإضافة مردود إلى الزيارة المفاجئة التى قام بها البشير للالتقاء بالرئيس السورى بشار الأسد لمعرفة مدى إمكان انسحابه من علاقته العضوية مع إيران وحزب الله. وأغلب الظن أيضا أن جواب بشار جاء بالرفض.
هذه مقدمة لازمة للإجابة عن السؤال الآتى:
ماذا يعنى قول ترامب أمريكا أولاً وحماية أمن إسرائيل ثانياً؟
القول الأول معناه أن أمريكا لن يكون من أهدافها أن تكون قوة عظمى متحكمة فى دول كوكب الأرض لأن أغلب هذه الدول أصبحت مهددة بالتفكك والانهيار ولا فرق فى ذلك بين دولة متقدمة ودول متخلفة، وذلك بسبب الأيديولوجيا الإرهابية التى هى فى حالة تصاعد. ومن هنا يمكن القول بأنه من الصعب معرفة سياسة هذه الدول حتى تتمكن أمريكا من التعامل معها. وتأتى فلسطين فى مقدمة هذه الدول بسبب الانشقاق الحاد بين منظمة التحرير الفلسطينية فى رام الله وحماس فى غزة.
هذا عن القول الأول فماذا عن القول الثانى وهو حماية أمن إسرائيل؟
إنه يعنى أن أمريكا لن تتدخل فى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى إلا إذا دخلت إيران فى حرب ضد إسرائيل أو هددت بالدخول. وإذا حدث ذلك فماذا تكون النتيجة؟ جواب رئيس المكتب السياسى «لحركة حماس» إسماعيل هنية تصفية القضية الفلسطينية. وفى هذا السياق أنوه بحكاية سردها لى أحمد بهاء الدين فى عام 1970 وكان فى حينها رئيس تحرير مجلة «المصور». وأنا هنا أسردها على لسانه: «دعيت للمشاركة فى ندوة ببيروت لمدة يوم واحد عن مستقبل الصراع العربى الإسرائيلى. وكان عدد المشاركين عشرة. وكل مشارك يقوم بدور معين لإحدى القوى المتصارعة، وكنت أنا ممثلاً للقومية العربية. وفى نهاية الندوة أُدخلت المحاورات فى الصندوق الأسود للكمبيوتر بهدف إخراج النتيجة المترتبة عليها، وكانت المفاجأة فى هذه العبارة: تصفية منظمة التحرير الفلسطينية». انتهت الحكاية وتساءل بهاء مستطرداً وهو فى حالة ذهول: هل هذا معقول؟
نقلا عن المصري اليوم