(( تركيا تغرق ليبيا.. بالسلاح وأشياء أخرى!
مقالات مختارة | بقلم : خالد عكاشه
٢١:
٠٦
م +02:00 EET
السبت ٢٩ ديسمبر ٢٠١٨
لم تنتظر أثينا ولا غيرها من العواصم المعنية، أن تكون هناك ردة فعل دولية، بعدما أوقف خفر السواحل اليوناني في يناير الماضي، سفينة تركية كانت متوجهة إلى ميناء "مصراتة"، وعلى متنها أطنان من المواد المستخدمة في صناعة المتفجرات، دعما من الاستخبارات العسكرية التركية للجماعات الإرهابية. رغم أن السفينة المذكورة كانت تتخذ إجراءات التمويه التي اعتادت عليها، إذ رفعت رغم ابحارها من ميناء "ميرسين" التركي علم "تنزانيا"، وبزعم توجهها إلى جيبوتي وسلطنة عمان. حينها لم يعثر الأمن اليوناني على أي خرائط ملاحية لدى طاقم السفينة تخص مناطق في جيبوتي أو عمان، بل عثرت بدلا عن ذلك على (29 حاوية) بها مواد منها نترات الأمونيوم وأجهزة تفجير غير كهربائية، و(11 خزانا) فارغا مخصصين لنقل البترول الخام، حيث اعتاد أن يكون جزء من ثمن توصيل مثل تلك الشحنات، من النفط الخام المسروق من الحقول الليبية ليعود ادراجه إلى السوق السوداء النشطه، المخصصه له على الأراضي التركية بجوار الحدود مع سورية، حيث يجد المشترين الذين يدفعون مقابله بالدولار، ويتربحون هم الآخرون من تمريره إلى الداخل السوري ليصل إلى التنظيمات المسلحة التي تحتاجه طوال الوقت.
ويبدو أيضا؛ أنه مرة أخرى لا أحد ينتظر شيئا من رد فعل متخيل، ازاء ضبط سفينة تركية أخرى محملة بالأسلحة والذخائر، وهذه المرة على الساحل الليبي. حيث أعلنت منذ أيام جمارك ميناء "الخمس"، الواقع شرقي العاصمة طرابلس، أنها من خلال تفتيش حمولة السفينة، تبين وجود حاويتين بحجم (40 قدم مكعب) محملتين بأطنان من الأسلحة والذخائر، علما بأن بيانات السفينة كانت تشير إلى أنها تحمل مواد بناء. والوثائق التي بحوزة جهات الضبط تثبت أن السفينة تحمل اسم ( BF ESPERANZA )، وترفع للتمويه المعتاد علم دولة "أنتيجوا وباربودا" رغم أنها قادمة من ذات الميناء التركي "ميرسين". ومثل تلك الرحلات البحرية تستخدم بعض المسارات الملاحية، يكون المقصود منها تضليل الملاحقة الأمنية، تماما مثلما ترفع هذه المرة علم لدولة هي عبارة عن "جزيرتين" بالبحر الكاريبي. لكن الجرم المشهود هذه المرة؛ أن حمولة الأسلحة والذخائر تركية المنشأ، ومصنعة من قبل شركة ( ZORAKI) التركية للصناعات الحربية، وشركة ( RETAY ) التركية للأنظمة الدفاعية.
قيادة الجيش الليبي طالبت رسميا مجلس الأمن بفتح تحقيق دولي، في ظل المساعي الأممية لإيجاد حل سياسي في ليبيا، وقدمت بعض الأدلة التي تحت يديها عن ضبط العديد من الأسلحة والذخائر المماثلة لتلك المهربة، بحوزة عناصر التنظيمات الإرهابية التي خاضت معها وحدات الجيش معارك شرسة، أثناء تحرير مدن بنغازي ودرنة وغيرهما. وختم البيان والمطالبة الرسمية للجيش الليبي بالإشارة إلى قرارات مجلس الأمن (رقم 1973) بشأن ليبيا، والقرار (رقم 1373) لعام 2011 الذي ينص على حظر تمويل الأشخاص والمنظمات الإرهابية، وهما قراران ملزمان لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، إلا أن تركيا خرقتهما بالوقائع والأدلة المادية مرارا في ليبيا. ومؤخرا في اجتماع "باليرمو" الذي عقد بإيطاليا، حضرت تركيا بصفتها طرفا راعيا للتنظيمات الإرهابية، فلم تكن هناك أية صفة أخرى بالنظر إلى بعدها الجغرافي وعدم تأثرها بالأوضاع الأمنية في ليبيا ـ افتراضا ـ. لكن رعايتها لكلا من "الجماعة الليبية المقاتلة" و"مليشيات الإخوان المسلمين"، وكلاهما تنظيمين مسلحين ولهما وزن حقيقي على الأرض خاصة في الغرب الليبي، اضطرت روما وأجبر المبعوث الأممي على حضورها ممثلة بنائب الرئيس التركي "فؤاد أقطاي".
هذا الحضور الأخير، وبهذه القناعة الدولية ودرجة التمثيل، هي المفسر الواقعي لما يمكن انتظاره من المجتمع الدولي بحزمة قوانينه وضوابطه، فالمشكلات المفتوحة والملفات المعقدة التي تكتنف الحالة في ليبيا وسوريا والعراق واليمن، أصبح من المقبول تمرير مثل هذا المشهد والتعاطي معه تحت سيف "الواقعية". باعتبار أن تشكيل وتمويل وتسليح مجموعة من التنظيمات أو المليشيات، يضمن للدولة أو الجهة القائمة على ذلك تلقائيا "مقعدا" على مائدة رسمية، وغالبا ما تكون أممية أو برعايتها، من أجل البحث عن الحل أو الوصول إلى تسوية. وهذا ما حدا بنائب الرئيس التركي أقطاي أن يصدر بيان مكتوب، وهو يغادر "باليرمو" مغاضبا معلنا انسحاب بلاده، أن "كل اجتماع يستثني تركيا، لا يمكن إلا أن تكون نتائجه عكسية لحل المشكلة".
ولم تتأخر الأذرع التركية طويلا عن تنفيذ، التهديد المباشر لنائب الرئيس فسرعان ما تم استدعاء ممثلي التنظيمات المسلحة للمشهد على الأرض الليبية، كي يبدأوا سلسلة من الضربات القادرة على اعادة الوضع إلى المربع صفر. بدأتها احدى تلك المليشيات بمحاولة احتلال "مطار طرابلس"، بعد اسبوع واحد من مغادرة الحضور لاجتماعات باليرمو، الذي قدرت فيه السلطات التركية أن الوصول لحلول سياسية وفق تلك المخرجات يقلص نفوذها، ويقطع أذرعها بالداخل الليبي. ويبدو أن تلك الأخيرة سارعت لاخطار أنقرة بأن موازين القوة على الأرض تحتاج إلى دعم تسليحي عاجل، مما دفع الاستخبارات التركية إلى اخراج مشهد وصول السلاح التركي إلى الميناء الليبي، على هذه الصورة المتعجلة التي اسفرت عن سهولة ضبطه كما اسلفنا.
وفي صباح الثلاثاء؛ كانت طرابلس على موعد آخر من سلسلة التصعيد التركي، عبر ذراع آخر غير ما تم الأشارة اليهما، هذه المرة بواسطة فرع "داعش" بليبيا. حيث قام التنظيم بتنفيذ عملية جريئة ودالة؛ بتفجيره وحرقه لمقر وزارة الخارجية الليبية وسط العاصمة. مما اسفر عن مقتل (4 أشخاص على الأقل، وإصابة 30 آخرين) فضلا عن تدمير كامل المبنى، ونفذ الهجوم (3 من الانغماسيين) الذين يعدون من عناصر النخبة داخل صفوف التنظيم. وفي بيان تبني الأخير للعملية، أشار إلى أن هزيمته بمعركة مدينة "سرت" لم تنتهي، وهذا انتقام مضاد لها. وهي اشارة ربما تفتح الباب أمام توقع تقديم تركيا لدعم جديد لفرع التنظيم، كي يعاود محاولته السيطرة على المدينة الاستراتيجية الواقعة بوسط الساحل الليبي والقريبة من مثلث النفط الشهير. فضلا عن التوجيه بتنفيذ ضربات نوعية، بحق مجموعة من الأهداف ذات الدلالة التي لا يلزمها جهدا لتفسير رسائلها المعلنة.
نقلا عن جريدة الدستور