مايكل وأنا!!
بقلم: فادي ميخائيل
كان "مايكل نبيل" من المدونين الأكثر جرأة الذين رأيتهم في حياتي. ليس هذا فقط بل وأيضًا كان الأكثر غرابة؛ لأني كنت أرى فيه ذلك الرجل الذي إذا رأى الأسد فاغرًا فاه يضع رأسه في فمه، مفضلًا أن يموت مواجهًا على أن يموت هاربًا، مهملًا كل التهديدات والمخاطر التي تحيط به حتى وإن وقف العالم كله ضده. فمنذ أن عرفته (2005 – بداية نشاطه السياسي)، كان في نظري كالمعلم الذي يفني ذاته لتعاليم كنت أرى فيها إبداعًا لم أره من قبل؛ لأنها كانت تتحدى كل شىء، وتتخطى كل الحواجز السياسية والاجتماعية والاقتصادية، حتى العادات والتقاليد سواء المتحضرة أو المتخلفة.
كان "مايكل" بعيدًا كل البعد عن هؤلاء الذين يستميتون من أجل مصالحهم الشخصية. فقد اشترك في أربعة أحزاب وبعض الحركات السياسية، وكان يحقِّق نجاحات عديدة، ومع ذلك استقال منهم جميعًا عندما أحس بأنهم غير مناسبين له ولفكره، فكان يفضِّل المبدأ على المصلحة..
لم يكن "مايكل" أبدًا خائنًا أو كارهًا للوطن كما يقول البعض، ولكنه كان صاحب رأي ووجهة نظر مختلفة، وكان "سلامي" (يرفض حمل السلاح)، وهذا ليس غريبًا، وليس هربًا من الخدمة العسكرية.. إنها ببساطة طبيعة إنسان. لم يقل يومًا إن "إسرائيل" بلده الثاني (قال ألمانيا)، بل قال إنه مناصر لها، ليس للدولة إنما للشعب، وإن اختلفنا معه ليس من حقنا إتهامه بالخيانة والعمالة، وفي كل الحالات كان ولاؤه الأول لـ"مصر" وإلا لم يكن ليخاطر بحياته ومستقبله من أجلها.. فمن القبض عليه أكثر من مرة في عصر الديكتاتور لاشتراكه في كل الإحتجاجات والمظاهرات، إلى التجسُّس عليه وتهديده بالقتل واضطهاد أسرته، فضلًا عن الإهانة والتعذيب.. الخلاصة، إنه كان يستحق كلمة "إنسان" بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ.
بعدما شرحت لكم منْ هو "مايكل"- مع أن كلام الدنيا لا يكفيني في هذا البطل– أبدأ حديثي عن سجن "مايكل نبيل" ثلاث سنوات بمحاكمة عسكرية (هزلية) بعد نجاح الثورة.
كتب "مايكل" مقالة بعنوان "الجيش والشعب عمرهم ما كانوا إيد واحدة"، وكان لي الشرف أن أكون واحدًا من الذين شاركوا في ترجمتها للإنجليزية. وهي باختصار مقالة طويلة تحصي تعديات الجيش وانتهاكاته لحقوق الإنسان، وإلتفاف الجيش على الثورة (من وجهة نظر مايكل)، وكانت المقالة موثَّقة. وبعد أن سمعت خبر اعتقاله، بكيت بكاءًا مرًا لأنه لا يستحق ذلك.. أتكون مكافأة أحد الثوار الذين طردوا الطاغية ووضعوا أرواحهم على أيديهم كذلك؟؟ ألم يتغير الوضع، وأصبحنا في مناخ ديمقراطي؟ أم أن الوضع يتجه للأسوأ؟؟؟
وبدأت أقرأ كل مقالاته مرارًا وتكرارًا.. لم أجد فيها سببًا لإدانته، وكانت كل الإتهامات الموجَّهة إليه باطلة، وليس لها أي معنى، بل وقد قال أحد أعضاء المجلس العسكري أنه "عميل لدولة أجنبية" (شر البلية ما يضحك) بدون أي دليل أول إثبات أو سند قانوني!!
حُكم على "مايكل" بثلاث سنين ظلمًا وعنوة، والأكثر من ذلك أنه تم خداع المحامين القائمين على القضية في جلسة المحاكمة العسكرية بالقول بأن هناك جلسة أخرى، وبعد رحيلهم تمت محاكمته بسنين العار، وتم سجنه في سجن "المرج" مع الجنائيين، ومنعه من الخروج تمامًا. وقد قال له أحد الجنائيين: "أنا هجيب وشك بالموس".
خمسة أشهر حتى الآن، و"مايكل" يعاني ويتألم. وعندما أضرب عن الطعام لمدة تزيد عن سبعة أيام حتى الآن لم يعيره أحد إهتمامًا، مع أنه قال إنه مستعد للاعتذار... إنه التعنت غير المبرَّر حتى مع الوقفات الإحتجاجية والمظاهرات الإلكترونية.. لا جدوى. ففي الوقفة الإحتجاجية الأخيرة التي شرفت أن أشارك بها، تكلَّمت مع أحد قيادات الشرطة العسكرية.. كان ضابطًا محترمًا ولكنه قال لي: "إننا لم نجبره على الإضراب عن الطعام وليس في أيدينا شيئًا لنقدمه.."(لن أذكر كل الحديث)"، ولكنني تأكدت من شئ أحسه منذ تولي العسكر حكم البلاد، ألا وهو إنهم- العسكريين– يمشون بمبدأ "قولوا اللي أنتم عايزينه وإحنا هنعمل اللى إحنا عايزينه"، ولا يسمعون أحدًا قط. لن أنسى الأمهات اللاتي شاركن معنا وكانت دموعهن تمطر وقلوبهن تنعصر على أبنائهن المُعتقلين. إنها ليست قضية "مايكل" فقط بل قضية (12) ألف شاب مصري في السجون الحربية، والدور علينا.. فهل من منقذ؟؟
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :