الأقباط متحدون - الأنبا مكاريوس يكتب.. عام جديد يمر بنا
  • ٠٦:٢٠
  • الاربعاء , ٢ يناير ٢٠١٩
English version

الأنبا مكاريوس يكتب.. عام جديد يمر بنا

٠٠: ١٠ ص +02:00 EET

الاربعاء ٢ يناير ٢٠١٩

الأنبا مكاريوس
الأنبا مكاريوس

نتباكى على العام المنقضي وننعته بصفات صعبة ولا نستطيع ان نخفي راحتنا بأنه انتهى، بينما نداعب العام الجديد ونغازله ونتوسم فيه الخير والسلام والرخاء. والعجيب أن العبارات التقليدية المرتبطة برأس السنة تتكرر من عام إلى عام، نفس المشاعر سواء تجاه السنتين: المنصرفة أو المقبلة.

ولكن هذه السنين هي مجرد أرقام.. ورأس السنة ليس بالضرورة 31 ديسمبر، ولا الخامس من النسئ، ولا نهاية ذي الحجة.. وإنما الوقفة التي يختارها الإنسان بنفسه، ومن ثَمّ يمكنه أن يجعل من كل يوم رأس سنة "إن كان يبدأ كل يوم"؛ فالإنسان هو الذي يحسن إلى التاريخ وإلى الجغرافيا، فقد يُنسَب بلد بالكامل إلى شخص، ويفتخر الناس بأنهم ينتمون لهذا البلد الذي شرف وتبارك به. وقد يحسن شخص كذلك إلى جيل بأكمله، أي الجيل الذي عاش فيه، فيَنسب البعض نفسه إلى ذلك الجيل، أو ننسب نحن البعض من الناس لذلك الجيل، فيُقال: عاش فلان في أيام فلان، أو عاش في بلد فلان... بل أن مرور بعض الأشخاص على بعض الأماكن ولو بشكل عابر، يعطي المكان بركة وقيمة ويُدخله التاريخ. إن هناك بلاد لا تُعرَف إلّا من خلال شخص عاش فيها، فيُقال: بلد فلان. مثلما يُعرَف شخص بعبارة منسوبة إليه فيُقال: صاحب عبارة كذا..

لقد سُمِّي القرن الرابع الميلادي بأهم وأزهى القرون، وذلك بسبب الكوكبة العظيمة التي عاشت فيه من آباء الإيمان والرهبنة والاستشهاد. كما دُعِيت بعض المدن بـ"مدن الشهداء" مثل أنصنا وإخميم وإسنا وغيرها... مثلما صارت برّية الإسقيط من أقدس الأماكن في مصر بسبب أنها ارتوت بعرق ودموع ودماء الكثيرين، أناس حوّلوها من موضع للصوص والوحوش ومظاهر الموت، إلى بقعة مقدسة يؤمّها الملايين من كل بلاد العالم، وأصبحت موضع صلاة وتسبيح وأنوار، بل سُمِّيت "ميزان القلوب". وهكذا يقدّس الانسان المكان ويشرّفه، بل أن الله نفسه بارك جميع قبائل الأمم من خلال إنسان هو إبراهيم «ويَتَبارَكُ بهِ جميعُ أُمَمِ الأرضِ» (تكوين 18:18).

في العام المنتهي أفلح كثيرون واقتربوا إلى الله وقدموا توبة قوية، وتصالحوا مع مخاصميهم، وأعانوا كثيرين، وقضوا أوقاتًا جميلة. فعلوا كل ذلك في نفس العام الذي تذمر عليه آخرون! إن ما أحزن الناس وأثار نقمتهم على العام المنقضي، لم يثنِ هؤلاء عن العمل والإنتاج والإبداع. إن عصًا واحدة تقع على اثنين، وبينما تقسم ظهر الواحد، تتحطم على ظهر الثاني.. العصا هي العصا، والضارب هو الضارب وبنفس القوة، المهم الذي يتلقّى الضربة.

وعلينا أن نسأل أنفسنا: ترى نحن الذين نمرّ بالزمن، أم هو الذي يمرّ بنا؟ ترى متى يُخصِعنا هو، ومتى نخضعه نحن؟ وهل نحن فحم في قاطرته كما تصوّر البعض؟... الحقيقة أنه عندما نمرّ بالزمن فهو الأقوى، أمّا إن مرّ هو بنا فنحن الأقوى، حيث تتشابه سنوه وقرونه بينما يقف الإنسان شامخًا لم يستطع أن يطويه الزمن. وإذا أخضعنا نحن الزمن فقد استوقفناه وأنجزنا فيه، وإذا أخضعنا هو فقد سلبنا أيامنا حتى العجز دون إرادة حقيقية.

ليكن الحديث إذًا عن الإنسان وليس التاريخ، فالذي يُعوَّل عليه كثيرًا هو الإنسان، وأمّا ما يتعلّق بالعام الجديد فهو: كيف سيكون سلوك الإنسان فيه؟ لنجعل العام الجديد عام الفرح والإنجاز، وليكن عامًا استثنائيًا، وليكن نقطة تحول، ولنتغلّب فيه على كل ما من شأنه أن يجعلنا نبغضه، بعبارة أخرى «فلنَخلَعْ أعمالَ الظُّلمَةِ ونَلبَسْ أسلِحَةَ النّورِ» (رومية 13: 12).

كل سنة وأنت أقوى وأعظم. وليَنسِب العام الجديد نفسه لك!

الانبا مكاريوس

1يناير 2019م
نقلا عن إيبارشية المنيا وأبو قرقاص

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع