حاكموا «برهامى» أو سلموا له أكفاننا
مقالات مختارة | سحر الجعارة
الخميس ٣ يناير ٢٠١٩
سحر الجعارة
المفترض أن النيابة العامة هى «المحتسب عن الشعب»، وأن عليها المبادرة بتحريك الدعوى الجنائية ضد من تراه يعتدى على مقدسات الشعب ويحرض على العنف والقتل والإرهاب، لكن يبدو أن الدولة بكامل هيئاتها «الأمنية والتشريعية» لا تزال بحاجة إلى تعريف دقيق لمصطلحات: (التحريض على القتل، تهديد السلم الاجتماعى، إثارة الفتنة الطائفية).. وأن كل المجالس التى شكلها السيد رئيس الجمهورية «عبدالفتاح السيسى»، بدءاً من المجلس القومى لمكافحة الإرهاب والتطرف، الذى صدر عام 2017، بهدف حشد الطاقات المؤسسية والمجتمعية للحد من مسببات الإرهاب ومعالجة آثاره، وصولاً إلى «لجنة مواجهة الأحداث الطائفية».. كلها لا تعرف الإرهابى «ياسر برهامى»!!
وحتى قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية لا يعترف بخطورة موقع «أنا سلفى»، الذى يقود -من خلاله- «برهامى» حزب الكراهية، ويبث سمومه، ويحرض للاعتداء على «الأقباط» خدمة لأسياده المقيمين فى قطر وتركيا من جماعة الإخوان الإرهابية.
لقد سبق أن اتهمت «برهامى» بالتحريض على تفجير كنيسة «البطرسية»، حين أفتى نائب رئيس الدعوة السلفية، الذراع السياسية لحزب «النور»، قائلاً: «إن الدولة أعطت المسيحيين ما لا يستحقون من المساواة بينهم وبين المسلمين، وإن المسيحيين إرهابيون ومتطرفون يستعدون بالسلاح والتدريب داخل الأديرة المحاطة بالأسوار الخرسانية العالية»، كما أفتى «برهامى» بهدم الكنائس، وعدم حرمانية ذلك، والمطالبة بفرض الجزية على النصارى.
ورغم مئات الشكاوى المتراكمة فى مكتب النائب العام لا يزال «ياسر برهامى» حراً طليقاً يشعل الفتنة فى الأرض، فإن حرموه حق الخطبة فى المساجد اتخذ من مواقع التواصل الاجتماعى منصة لإطلاق قذائفه الحارقة على أقباط مصر.. ولاحظ أن «الفتنة الطائفية» لا تطال الأقباط وحدهم فحين تدور الاشتباكات المسلحة بسبب شائعة تحويل منزل إلى كنيسة، أو إسلام قبطية، يسقط الشهداء من المسلمين والمسيحيين وجهاز الشرطة.. وتخسر الدولة كل ما بذلته لتحقيق «الاستقرار» سعياً لجلب الاستثمارات والسياحة الأجنبية.. صحيح نحن ندافع عن أرواح الأقباط ومقدساتهم وحريتهم فى ممارسة شعائرهم الدينية، لكن «الفتنة الطائفية» كارثة قومية سبق أن أدخلت بلداً مثل «لبنان» فى حرب أهلية نحو 15 عاماً.. فالكل خاسر فى هذه المعركة التى يديرها «برهامى» بكل خسة وحقارة.
«برهامى» نفسه حزام ناسف يحاصر خصر المجتمع، وقنبلة موقوتة على لحظة غضب، وكل كلمة ينطق بها هى إرهاب معنوى يؤدى إلى إرهاب مادى، ألغام يصمت عليها «الأزهر الشريف» والأمن الوطنى والنيابة العامة: (عدم إلقاء الزوج التحية على زوجته المسيحية ومعاشرتها كالمغتصبة، تحريم تهنئة الأقباط فى أعيادهم، فتواه بأن ضحايا الكنيسة البطرسية ليسوا شهداء).. ثم أخيراً فتواه بتحريم تهنئة المسيحيين بأعياد الميلاد، لأن ذلك فى الإسلام أكثر شراً من شرب الخمر وممارسة الزنا.. ولمزيد من الوجع سوف أذكر باقى كلماته المسمومة التى تؤكد انتماءه للجماعات التكفيرية، ربما تأخذ الدولة وأجهزتها ما نقوله على محمل الجد وتتحرك كل الجهات المسئولة للقبض عليه ومحاكمته.. يقول الإرهابى «برهامى»: (أعياد المشركين تتضمن تعظيماً لعقائدهم الكفرية كميلاد الرب وموته وصلبه والعياذ بالله).. أليس هذا ازدراءً للمسيحية؟!
كنت عائدة بالصدفة ليلة رأس السنة من أمام الكاتدرائية بالعباسية ورأيتها تتزين لعيد ميلاد السيد المسيح (عليه السلام)، وعلينا أن نسأل الآن «الأجهزة المعنية»: هل تستقيم تلك الفتوى مع حضور رئيس الجمهورية بشخصه لمشاركة إخوتنا الأقباط فى قداس عيد الميلاد؟!
هل أصبحت مصر بلد التناقضات، «كل شىء وعكسه»، بلد العنصرية الشعبية والتسامح الرئاسى.. بلد التكفير الممنهج للأقباط والشيعة بل والصوفيين والمفكرين والمبدعين وهى التى تتغنى بوجود الأزهر فيها باعتباره -جدلاً أو هزلاً- «منارة الوسطية»؟!
لقد تساءلت كثيراً -فى عدة مقالات- عن سر جبروت التيار السلفى وسطوته على الدولة، وهل هناك «صفقة خفية» بينهما، دفعت الدولة لمخالفة الدستور والإبقاء على الأحزاب الدينية، وفى مقدمتها حزب «النور»، أم أن التيار السلفى يتحكم فى الخلايا الإرهابية الموجودة بسيناء، مما يؤجل الصدام الطبيعى بين دولة تدَّعى أنها مدنية وأحزاب غير شرعية.. فلم تُجِبْنى أى جهة!
وكيف لشعب ثار على الفاشية الدينية للإخوان أن يقبل أن يحكمه التيار السلفى من الباطن، وكأن الدولة لم تعد تهتم بطبيعة «النظام»، ولم تتعظ من اختراقها وأخونتها -من قبل- وما شكّله ذلك من تهديد للأمن القومى، فاستسلمت مجدداً لاختراق السلفيين لعمودها الفقرى.. ربما لأن الأقباط وحدهم فى وجه المدفع، يسددون ثمن مصريتهم من أرواحهم وممتلكاتهم ومستقبل أولادهم!
حتى أصبحنا دولة «عنصرية بالفطرة سلفية بالفكر».. إرهابية بمظلة مؤسسة رسمية.. ومدنية بحكم الدستور.. عفواً «ديمقراطية بحكم الدستور»!
باسم أرواح الشهداء من جنودنا البواسل والشهداء الأبرياء.. باسم الإنسانية، ولغة الواقع ومقتضيات الأمن القومى.. حاكموا شيطان التكفير «ياسر برهامى» وأمثاله ليكونوا عبرة لمن يتلاعب بأمن الوطن واستقراره، أغلقوا منابر تكفير الأقباط والطعن فى عقيدتهم، فعّلوا الدستور وحِلُّوا الأحزاب الدينية، أوقفوا اغتيال التيار السلفى للعقول المصرية ونزيف التجنيد فى كتائب الإرهاب بفتاوى متعفنة.. أو ارفعوا «الراية البيضاء» وقدموا أكفاننا للتنظيمات التكفيرية الإرهابية.
نقلا عن الوطن