عن مصر ومسيحييها
مقالات مختارة | أمينة خيري
الاثنين ٧ يناير ٢٠١٩
أمينة خيري
فى مثل هذه الأيام المفترجة من كل عام على مدار العقود الثلاثة الماضية، ومع حلول عيد الميلاد المجيد، تنشط الحركة التنظيرية التحليلية التراكمية من بلاد بعيدة تجاهنا. الاحتفالات المسيحية فى مصر تحولت موسمًا سياسيًا وإعلاميًا غربيًا للضرب فوق الحزام وتحته.
وتحت الجانب الأكبر من العناوين التى توحى بتعاطف كبير وتراحم رهيب وتآخٍ فظيع، وتضامنٍ عميق، تنضح الكلمات بما لا يلذ أو يطب من تهديد ووعيد للدولة المصرية. تقارير الحريات الدينية الصادرة عن الخارجية الأمريكية لم تخرج على مدى سنوات بعيدًا عن «فشل مصر فى تحسين مناخ الحريات الدينية» أو «تعرض المسيحيين فى مصر لخطر التهجير» أو «مطالبة الإدارة الأمريكية بمراقبة أوضاع الحريات الدينية فى مصر من كثب».
وعلى الوتر نفسه، اعتادت منظمات وجمعيات وجماعات الدق على حرية العقيدة، وممارسة الشعائر، وبناء الكنائس إلى آخر مكونات الملف.
ومن ينكر أن وضع المسيحيين المصريين كان على خير ما يرام، أو أن مشكلاتهم لم تكن تتعدى مشكلات أى مواطن مصرى، أو أن حقهم فى العبادة وممارسة الشعائر وبناء الكنائس كان مكفولاً هو إما مغيب أو يتعمد التغييب.
لكن التغييب الحقيقى حدث مع مجريات يناير 2011 وما أسفرت عنه من صعود جماعة الإخوان المسلمين إلى حكم مصر ومعها أبناء عمومها من الجماعات والمجموعات السلفية.
ورغم تجرؤ البعض من أولئك شعبيًا على تهديد النساء فى الشارع بضرورة تغطية شعرهن، و«فرار» عشرات الآلاف من المصريين المسيحيين إلى دول عدة أبرزها الولايات المتحدة الأمريكية نفسها وكندا، إلا أن هذه الهبات المدافعة عن الحريات الدينية لم تتأجج أو تتصاعد.
بل إن حزب «النور» السلفى (نصير حكم الإخوان) أصدر فى حينها بيانات تدعو إلى حظر المشروبات الكحولية، وملابس البحر للسيدات، وإلزام كل النساء بتغطية شعرهن. ويشير موقع «صدى» (التابع لكارنيجى) فى مقال عنوانه «المعركة الصعبة: الأقباط فى مصر بعد الثورة» (2012) إلى حديث صحفى أدلى به المتحدث باسم حزب النور آنذاك نادر بكار يشير فيه إلى نية الحزب إنساء سلسلة من الفنادق تتقيد بأحكام الشريعة الإسلامية مع حظر السياحة الشاطئية التى تشجع على الرذيلة.
ومن رذيلة السياحة الشاطئية إلى فضيلة الدفاع عن الحريات والمعتقد والتى خفتت خفوتًا غريبًا طيلة عام من حكم الجماعة. ويبدو أنه حفاظًا على ماء الوجه كان
البعض هناك يعبر بين الحين والآخر عن قلق هنا أو اهتمام هناك حول حقوق الأقباط.
ورغم اعتراف أولئك بأن مسيحيى مصر وكنائس مصر تعرضوا لهجمة شنعاء عقب نجاح المصريين فى إسقاط حكم الجماعة، إلا أن ذلك لم يعنِ الكثير لهم. ولم يحرك تقارير الحريات وبيانات الشجب والإدانات المعتادة، رغم أن العلاقة بين من سقط من الحكم ومن قام بالاعتداء واضحة وضوح شمس أغسطس.
مقال رأى منشور فى مجلة غربية شهيرة (دون توقيع) وذلك فى مناسبة الاحتفال بعيد الميلاد المجيد فى مصر، يشير إلى أن الأقباط المصريين يحتفلون بعيد ميلاد تعيس وحزين، وأنهم يواجهون القنابل والرصاص والإهمال. ورغم الإشارة إلى أن العادة التى رسخها الرئيس السيسى بالتوجه إلى الكاتدرائية لتهنئة المواطنين المسيحيين بالعيد لها أثر بالغ، إلا أن المشاكل لا تزال قائمة. ولم يفت كاتب(ة) المقال الإشارة إلى أنه «بعد انقلاب السيسى على محمد مرسى أول رئيس مصرى منتخب، عانى المسيحيون أشد المعاناة من هجوم أنصار مرسى من الإسلاميين»!!
ستحل مصر مشكلات مواطنيها من المسيحيين، ولكن عليها أيضًا أن تعِى كيف يتعامل الآخرون مع ملفات الحقوق. كل عام ومصر كلها بألف خير.
نقلا عن المصرى اليوم