الأقباط متحدون - مطر ودستويفسكي وموقد
  • ٠١:٢٦
  • الثلاثاء , ٨ يناير ٢٠١٩
English version

مطر ودستويفسكي وموقد

زهير دعيم

مساحة رأي

٢٦: ٠١ م +02:00 EET

الثلاثاء ٨ يناير ٢٠١٩

 البرق والرعد
البرق والرعد
زهير دعيم
في مثل هذه الأيام والليالي حيث البرق والرعد ينهشان وجه السماء ، وحيث البرد ينخر العظام ، والمطر يغسل خدود الطرقات ، بمثل هذه الليالي اموت حُبًّا ، فهذه الايام أيام البركة ، تنفتح كوى السماء فيصبُّ الله فيها خيراته على الارض ، فينتشي الانسان والحيوان والنبات وحتى الجماد . الكلّ يفرح وينمو ، حتى الأفكار والخواطر والإبداع ، فتعال معي نزر هذه الناحية من العمر ، واجلس معنا حول موقد النّار ، حيث الجمرات ترقص فيه ، واحتسِ كوبًا ساخنًا من الشاي ، واقضم على مهل رغيفًا مُحمّصًا مع اللبنة او زيت الزيتون والزعتر ، ورافق معنا الاحاديث وصادق الكتاب المُقدّس وكلّ كتاب مفيد، واخبرني بعدها: ألا تجد ان الحياة حلوة . لا شكّ ان هذه الظروف هي البيئة الطبيعية للابداع والخلق والتحليق مع الخواطر الى ابعد الحدود . من منا لم يسمع بالكاتب الروسي العظيم دوستويفسكي صاحب " الجريمة والعقاب " و " مذلون ومهانون " و " المراهق " و " الإخوة كارامازوف " وغيرها من الإبداعات الأدبية ، والتي يقف عندها الإبداع بنفسه مشدوهًا متحيّرًا . 
 
لقد كتب دستويفسكي هذه اللوحات الادبية الخالدة حول موقد النار وزخّات المطر وندف الثلج يملأ اركان روسيا ، فلقد استمتع هذا الكاتب بالشتاء – وشتاؤهم حقيقيّ – فراح يغزل على نوْله فجاء بساطًا ربيعيًا دافئًا نجلس عليه واليه ولا نملّ ولا نضجر . 
 
كثيرون امثال دستويفسكي يميلون الى كانون ويعشقون شُباط والبرد والزمهرير ، إلّا اولئك الذين لا بيت يلتجئون اليه ، وكثيرون هم الذين يعشقون الكتاب ويمتهنون الإبداع وارتشافه ، حتى في هذا الزمن المهرول نحو الانترنيت . 
 
حَريّ بنا ان نعود الى عهد الكتاب والمطالعة والرواية الاحلى والاجمل نغفو عليها وتغفو في أحضاننا . 
 
لا اريد ان اتهم جُزافًا ، فالربيع لونه ومذاقه ورونقه ، وللصيف المُثقل بالثمار والفواكه وعناقيد العنب طعمه الابهى ولونه الاجمل ، وحتى للخريف واوراقه المتناثرة ورياحه النائحة له في النفس البشرية موقع جميل ، يزيّن النفس البشرية بشتّى الالوان وشتى الأطياف . 
 
فكلها لوحات رائعة ، حالمة ، نابضة بالحياة رسمها الله بريشته الأزلية على صفحات الأديم ، فأضحت هذه المسكونة لوحة واحدة خلّابة يعيش في زواياها الجمال ويقبع الحسن . 
 
فاختر يا صاحبي ما شئت : اختر لوحة ربيعية او خريفية او صيفية ، او اختر مثلي لوحة شُباطية يُكوكب فيها المطر وترقص فيها الريح على وقع الرعد ووميض البرق ، بينما يروح الكتاب يغازل الموقد والجمرات والارغفة المُحمّرة تُعسِّل شفاهها اللبنة والزعتر . اختر ما تريد فالروتين لا مكان له في صنع وابداع الخالق .
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
حمل تطبيق الأقباط متحدون علي أندرويد