مغلق للصلاة!
مقالات مختارة | طارق الشناوي
الاربعاء ٩ يناير ٢٠١٩
طارق الشناوي
كان وسيظل الإنسان أولا، لا أسأل عن دينك ولا لونك ولا وطنك، لا أتفحص فى جواز سفرك على خانتى الديانة والهوية (يهمنى الإنسان ولو مالوش عنوان)، بعدها ستتحول الأرض إلى جنة.
ما أشارت إليه تلك الصورة التى سأحدثكم عنها، تستطيع أن ترى خلالها واحدة من نفحات الجنة، نشر على صفحته الخاصة المخرج والصديق العزيز محمد القبلاوى سويدى الجنسية فلسطينى الجذور، صورة لواجهتى محل فى مملكة السويد، مكتوبا على واحدة لو كنت بردان اتفضل بالمجان خذ واحدا، وعلى الثانية ولو كان لديك جاكيت زيادة تبرع به هنا.
تأملت الواجهتين فوجدتهما مكتظتين، وهذا يعنى أن العطاء لايزال متدفقا، هؤلاء يمدون يد العون للجميع، عندما تعلم أن السويد واحدة من أكثر الدول فى العالم التى تتمتع بارتفاع متوسط الدخل للمواطنين، وعدد سكانها لا يتجاوز 10 ملايين، تستطيع أن تدرك من هم المتبرعون ومن هم الذى سيحصلون على الجاكيت، إنهم قطعا هؤلاء المهاجرين الذين اختاروا السويد ملاذا، سيحصلون على ما يقيهم برد الشتاء القارس. مؤكد أن الأغلبية منهم مسلمون، وعدد ليس بالقليل أيضا من أصحاب البشرة السوداء، ما هى الجنة إذن إذا لم تكن تلك المملكة التى توزع الحب والدفء بالمجان على الجميع؟
السويد ترى أن المهاجر الذى جاءهم طمعا فى حياة كريمة يستحق أيضا التكريم، قبل نحو 6 سنوات كرم ملك السويد كارل جوستاف السادس عشر، الخباز المصرى عماد بيومى، لديهم جائزة ترصد سنويا لرواد الأعمال المهاجرين الذين أضافوا شيئا للبلد، هذا المصرى ابتكر رغيف خبز أطلق عليه اسم (الأهرام)، وذلك من فرط حبه لوطنه، كان يسعى قبل 20 عاما للعودة لمصر بعد أن تعثر به الحال، ولم يجد لا هو ولا زوجته ثمن التذاكر، فاشترى كيسا من الدقيق، فهو ينتمى لعائلة توارثت تلك الصناعة، وقرر أنه بثمن بيع الخبز يشترى التذاكر، حقق مكاسب كبيرة وصار فى غضون سنوات قلائل مليونيرا، يستطيع أن يقضى (الويك إند) هو وعائلته فى مصر وبتذاكر الدرجة الأولى، فواصل البقاء هناك.
سافرت كثيرا إلى السويد فى مهرجان (مالمو) السينمائى، وأيضا فى بعض الاحتفالات الخاصة، وآخرها مئوية المخرج انجمار برجمان، والذى وضع السينما السويدية فى مكانة عالمية سامقة.
الرحلة ساهمت فى نفقاتها سفارة السويد بالقاهرة، مع المركز السينمائى السويدى، الذى يحمل اسم (برجمان)، مكان الاحتفال جزيرة (فارو) والتى عاش فيها برجمان سنواته الأخيرة، وصور أشهر أفلامه (بيرسونا) ومقبرته أيضا تقع فى إحدى كنائسها. قبل السفر ذهبت لمحل الصرافة لاستبدال العملة المصرية بـ«كرونا»، فهم لا يتعاملون باليورو، اكتشفت، بعد أن حطت بى الطائرة وأنا فى القطار المتجه صوب (فارو)، أن العملة التى أحملها انتهى العمل بها قبل عشر سنوات، منحت المحصل 100 يورو، أعتذر لأنه لا يقبل سوى (كرونا)، وأيقنت أن فضيحتى لا محالة بجلاجل، عربى ومسلم، معنى ذلك أن كل شروط الجريمة طبقا للصورة الذهنية الأوروبية للخارج عن القانون متوفرة فى العبدلله، هناك اصطحبنى ضابط من المحطة حرص على أن يحمل عنى حقيبتى، وذهبنا معا للبنك واستبدلت العملة، ثم أعادنى لمحطة القطار، ودفعت ثمن التذكرة مع ابتسامة منحتها لى المحصلة.
بمجرد عودتى للقاهرة، قررت أن أذهب لمحل الصرافة لأفش فيه كل غضبى، فوجدته يضع على الباب يافطة (مغلق للصلاة)!
نقلا عن المصري اليوم