الأقباط متحدون - من يقدر على «جيتو» التطرف فى مصر؟
  • ٢٣:١٧
  • الاربعاء , ٩ يناير ٢٠١٩
English version

من يقدر على «جيتو» التطرف فى مصر؟

مقالات مختارة | هانى عسل

٣٣: ٠٢ م +02:00 EET

الاربعاء ٩ يناير ٢٠١٩

تعبيرية - مظاهر التطرف
تعبيرية - مظاهر التطرف

هانى عسل

 عسكريا وأمنيا وسياسيا، مصر انتصرت فى حربها ضد الإرهاب، ولكن مجتمعيا، ليس بعد، فلم يتم اقتلاع الإرهاب من جذوره حتى الآن، وأما جذوره فهى التطرف والتشدد والهلوسة الدينية والانعزال عن المجتمع، ولا وجود لقاتل محترف بلا عقيدة متطرفة أولا وثانيا وثالثا، وربما يأتى الدافع المادى رابعا أو خامسا، ولكن العقيدة الجاهلة تبقى هى الأساس.

 
ومشكلة المتطرف أنه جسديا يعيش بيننا، ومعنا، فهو جارنا فى السكن، وزميلنا فى العمل، ورفيقنا فى المواصلات العامة، ولكنه فكريا يعيش هو وأسرته وأقاربه ومعارفه ومن هم على شاكلته فى جيتو منعزل، آمنا مطمئنا، له أفكاره، وكتبه، وفضائياته، ومشايخه، ومرجعياته، وينظر إلى من هو خارج هذا الجيتو على أنه كافر، أو فى أفضل الأحوال يدين بـإسلام الحكومة!
 
لا يعترف بوطن، ولا بحكام، ولا بحكومة، وقد يدين بالولاء لدولة أخري، ولكنه مع ذلك، يأكل ويشرب من خير هذا الوطن، وينعم ويستفيد بكل أعمال وإنجازات الحاكم والحكومة، من أمن واستقرار وماء وغذاء وخدمات وصحة وطرق وكبارى وأنفاق وخلافه.
 
لا يخالف القانون، فهو لا يحمل السلاح اليوم، لكن قد يحمله غدا، فقط ينتظر الفرصة السانحة، أو النداء الشرعي، لكى ينفذ ما يقتنع به.
 
هذه الفرصة قد تكون ثورة كما حدث فى هوجة الربيع العربي، وقد تكون تمويلا مغريا، وقد تكون تكليفا ممن هو أعلى منه، وقد يكون عملا فرديا، كالاعتداء على كاتب، أو حرق كنيسة، أو تفجير متجر، وفى أضعف الإيمان، أمامه الجهاد الإلكتروني، ليصبح مصدرا للإحباط والاكتئاب والفتن، و«قلة الأدب» إذا لزم الأمر، على الإنترنت، ويحظى بحماية مسئولى تويتر وفيسبوك والإعلام الأمريكى والبريطانى ومنظمات حقوق الإنسان!
 
يفرح لحزننا، ويحزن لفرحنا، وهو فى هذا السبيل لا يحتاج إلى أوامر أو تعليمات، فهو يعرف ما الذى ينبغى عليه أن يفعله بالفطرة، ويعرف متى يظهر ومتى يختبئ، ومتى يساير الأمور.
 
لا يفضحه إلا سلوكه، ولا تكشفه سوى أخلاقه، التى هى نتاج أمراض نفسية مركبة ومعقدة، أهونها فصام الشخصية والنفاق، وأخطرها الحقد والغل والكراهية الجاهزة للتحول إلى العنف فى أى وقت.
 
ومظاهر التطرف هذه بكل تناقضاتها نراها بأمهات أعيننا كل يوم، بل كل ساعة، بل كل دقيقة، فالتطرف الآن أسلوب حياة لدى كثيرين، ولا يفلح لتغييره لا مدرسة ولا جامعة ولا وسائل إعلام ولا أزهر، ولا حتى الطبل البلدي.
إذن، ابحثوا عن بذور الإرهاب داخل هذا الجيتو.
 
ابحثوا عن المتطرف فى صاحب اللحية والسواك والجلباب القصير وبارك الله فيك وجزاك الله كل خير، وأخلاقه صفر، وسلوكه صفران، ودينه ثلاثة أصفار!
 
إبحثوا عن المتطرف فى رجل يدفع زوجته المسنة إلى ارتداء النقاب خوفا عليها وعلى خلق الله من الفتنة!
 
ابحثوا عن المتطرف فى أب يجبر ابنته ذات الأعوام الثلاثة على ارتداء الحجاب بحجة أنها «لازم تتعود»!
 
ابحثوا عن المتطرف فى موظف يهدر نصف وقت عمله فى ارتداء الشبشب والوضوء والصلاة، وفى آخر الشهر يقبض راتبه وحوافزه وأرباحه هنيئا مريئا!
 
ابحثوا عن المتطرف فى رجل لا يعترف لا بأزهر ولا بإفتاء ولا بعلماء، ويستقى دينه وفتاواه من مشايخ الكاسيت وبير السلم، بدعوى أنهم ليسوا من مشايخ السلطان!
 
ابحثوا عن المتطرف فى إمام مسجد يرفع ميكروفوناته بالابتهالات والتواشيح والقرآن قبل الفجر بساعة كاملة بحجة البركة وإيقاظ الناس للصلاة، رغم أنهم سيستيقظون من تلقاء أنفسهم على صوت الأذان!
 
ابحثوا عن المتطرف فى خطيب جمعة يرفض الدعاء لمصر ورئيسها وجيشها وشرطتها وشهدائها، وكأن الانتماء للوطن والدعاء لنصرته شيء يستحق الخجل منه.
 
ابحثوا عن المتطرف فيمن يرفض الاختلاط بالأقباط، وينهر زوجته وأبناءه عن التعامل مع جيرانهم وأصدقائهم وزملاء الدراسة والعمل من الاختلاط بـ«الكفار».
 
ابحثوا عن المتطرف فى كل من حرم علينا الاحتفال برأس السنة والكريسماس وعيد الأم والمولد النبوى بدعوى أنها بدع.
ابحثوا عن المتطرف فى جماهير الجزيرة والشرق ومكملين.
 
ابحثوا عن المتطرف فى المهووسين بأموال قطر وديمقراطية تركيا وجرأة إيران.
دون اقتراب من هذا الجيتو، ستظل دماؤنا تسيل يوما بعد آخر، أو حتى شهرا بعد آخر، مرة فى سيناء، ومرة فى المريوطية، ومرة فى الهجانة، وسنبقى فى حرب مفتوحة إلى ما لا نهاية.
 
.. من يقتحم مجتمع المتطرفين فى مصر؟!
نقلا عن الأهرام
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع