الذي لا ينام
زهير دعيم
الخميس ١٧ يناير ٢٠١٩
بقلم : زهير دعيم
وقف والحيْرة تعصره، أيندفعُ أم يتقهقر ؟! أيتقدّم - والتقدُّم من شِيّمه -أم يتراجع ؟ لقد مرَّ بمواقف أشدّ وأقسى .
واندفع غير هيّاب لا يحسب للغيب حسابًا ولا للمستقبل ...وكيف يهاب ويتزعزع وهو يُتقن مهنته اتقانًا ما بعده اتقان؟!.... لا بل علّم غيره فنّ هذه المهنة ، لقاء بعضٍ من مال يعبده بعض الناس.
لقد أسّس مدرسة نشطة أمَّها صبيةُ الأُسَر المُهلّهلة ، فدرسوا وطبّقوا وأجادوا واعترفوا لمعلّمهم بالفِطنة والجدارة وحُسن التصرّف ، فحاز على صيت وصل الى ما بعد الحدود.
غريب...إنَّ في نفسه حربًا ضروسًا بين الإقدام والإحجام ، ولكنّه متأكد أنَّ الأمر هيّنٌ، فالهدف قريب وواهن الأسس .
نعم واهن وانٍ ...إنها عجوزٌ عضّتها السنون بنابها ؛ عجوزٌ جاثية عند أقدام المصلوب تناجيه :" إيه يا حَمَل الله ...إيه أيّها المعلّم الصّالح يا رافع خطايا العالم ، نِذرًا انذره لك ، انني وهبتك نفسي وكلّ ما أملك من مال ومتاع منذ هذه الساعة ، هي لك ولقدّيسيكَ ولجمعياتك الخيرية ، للجياع واليتامى والمُشَرَّدين .... نعم ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسرَ نفسَه ؟...ربّاه ..أتضرّع اليكَ سائلةً أن تعيد كل مَنْ حادَ عن جادة الصّواب والإنسانية إلى حظيرتك الإلهية ، لنأكل بشرف ، ونشرب بشرف ،ونموت بإيمان .
واقترب وكُلّه آذان ، والرّعشة الغريبة تهزُّ أعصابه ...ماذا دهاه ؟ لقد سرق كاهنًا دون أن يهتزّ له عَصَب ، ودون أن يرتعش إطلاقًا ، فالأمر في مُنتهى الغرابة ، لكن سأنتظر قالَ : سأنتظر لعلّها سحابة صيف وتمرّ ، ويمُرّ معها كل شيء.
وفعلًا هدأ كلّ شيء الا شخير العجوز ، فقد انطلق هذا الشّخير يشقّ سكون الغرفة ..
ونظرَ اليها طويلًا ، وأنعم النظر ، انها تنام بهدوء وابتسامة حييّة ترتسم على مُحيّاها .
ماذا يمنعني الآن من العمل ؟!!- قال في نفسه- فالكلّ نيام ، نعم نيام ....وأطرقَ هُنيهة وغاص في تفكير عميق .ورفع نظره إلى الحائط فإذا الذي لا ينام يبتسم له بحنان ، فانكمش قلبه وارتعش . ....آه نسيت ، نعم لقد نسيت أنّ المصلوب لا ينعس ولاينام ، وأنسلّ في هدوء وطواه الظلام والسكون العاصف!!.
وفي غرفة صغيرة، عند أقدام التلّة ، ينفتح شُبّاكها لشعاع القمر، جثا رجلٌ عند أقدام المصلوب وصلّى بحرارة : " إيه يا سيّد ، أنا وما املك منذ السّاعة لك ، "فماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه !!".
وسحّت من عينيه دمعتان تلألأتا تحت الشُّعاع.