الأقباط والدولة الفاطمية (الجزء الخامس)
فاروق عطية
الخميس ١٧ يناير ٢٠١٩
. الاقباط تحت حكم الخليفة المستعلي بالله (1095ـ1101م)
المستعلي بالله هو أحمد بن معد بن الظاهر بن علي بن منصور، ولد في سبتمبر 1074م بالقاهرة. بعد موت أبوه المستنصر بالله نشب خلاف بين من رأوا أن إبنه الأكبر نزار هو الأحق بالخلافة وبين من رأوا أن إبنه الأصغر أحمد هو الأحق.
كان ورير المستنصر القوي الأفضل شاهنشاه مؤيدا للأصغر وأكثر الأطراف المتنازعة نفوذا مما حسم الخلاف لصالح أحمد. بويع يوم عيد الغدير في 3 يناير 1095م ولقب بالمستعلي بالله وكنيته أبو القاسم. ثار أخوته نزار وعبدالله واسماعيل عليه ورفضوا مبايعته، ثم عاد عبدالله واسماعيل وبايعاه أما نزار فاتجه للاسكندرية وتحالف مع واليها للأستقلال بها، لكن الأفضل شاهنشاه سار إليهما وحاربهما واسرهما واحضرهما للخليفة الذي أمر بسجنهما وتعذيبهما حتى الموت. خرج الهادي بن نزار في أتباعه إلى آسيا الوسطي محدثين انشقاقا جديدا في الإمامة بين المستعلية والنزارية.
في عهد المستعلي بالله وقعت اشتباكات ومعارك بين أمير جيشه ووزيره الأفضل شاهنشاه ابن بدر الجمالي وبين الصليبيين في بلاد الشام، استطاع الصليبيون بها الاستيلاء علي القدس مجددا. لم يذكر المؤرخون نهائياً شيئاً عن أحوال الأقباط في عهد هذا الخليفة ولا ردة فعله تجاههم مع نشوب حروب الفرنجة، وقد يعود هذا لقصر فترة حكمه. مات المستعلي بالله في مدينة القاهرة عام 1101م بعد حكم دام سبع سنوات وشهرين.
الأقباط تحت حكم الخليفة الآمر بأحكام الله (1101ـ1131م).
الآمر بأحكام الله هو علي منصور بن أحمد ولد بالقاهرة في 31 ديسمبر 1096م. تولى الخلافة 1101م بعد وفاة والده المستعلي بالله ولقب بالآمر بأحكام الله.
في 1121م انقلب الآمر بأحكام الله على وزيره ووزير أبيه من قبله الأفضل شاهنشاه، فقتله وعين مكانه المأمون البطائحي واستطاع السيطرة على حكومته. وعندما توفي وزيره المأمون البطائحي رفض هذا الخليفة تعين وزيرا خلفاً له، وعين أثنين من الرؤساء هما جعفر بن عبد المنعم وأبو يعقوب إبراهيم، وجعل مشرفاً على أعمالهما راهب قبطي يدعى أبن أبي النجاح.
اشتهر هذا الخليفة بميله لزيارة الأديرة وإن كان مع هذا لم يحم الكنائس من بطش كبار موظفيه كنتيجة لضعفه. لامه المسلمون كثيرا ًبسبب إهماله في محاربة الصليبيين.
في عهده استولي الفرنجة علي عكا عام 1103م، واستولوا علي طرابلس عام 1108م، وبيروت عام 1109م، وصيدا عام 1110م وبعد ذلك استولوا علي تبلين 1117م، وصور عام 1124م، كما سقطت الفرما للملك الافرنجي بردويل.
في ذي القعدة 524هـ (1130م) كان الآمر في هودجه يتنزه فيما بين القاهرة والجزيرة هاجمته جماعة مسلحة بالسيوف، يقول المقريزي أنها تابعة للنزارية الذين أرادوا الانتقام منه لما كان من شقاق ما بين أبيه المستعلي بالله وعمه نزار على عرش الخلافة الفاطمية بمصر، فحُمل الآمر إلى القصر إلا أنه توفي يوم الرابع عشر من ذي القعدة (موافقا 7 أكتوبر 1130)، فكانت مدة حكمه تسعا وعشرين سنة وتسعة أشهر.
لم يكن الآمر بأحكام الله قد سمي خليفة عند موته لذلك حدث خلاف فيمن يخلفه بين من بايعوا إبنه الطيب أبو القاسم فعرفوا بالطيبية، وآخرون بايعوا الحافظ لدين الله إبن عم أبيه المستعلي فعرفوا بالحافظية فنجم من جراء ذلك انشقاق جديد في الإمامة.
الأقباط تحت حكم الخليفة الحافظ لدين الله (1131ـ1149م)
الحافظ لدين الله هو عبد المجيد بن الأمير محمد بن المستنصر بالله معد بن الظاهر علي بن الحكم بن العزيز بن المعز، وكنيته أبو الميمون، ولد بعسقلان سنة 467هـ (1076م). بويع بالقاهرة يوم مقتل ابن عمّه الآمر، بولاية العهد وتدبير المملكة، حتى يظهر الحمل المخلف عن الآمر. غلب عليه أبو علي أحمد بن الاَفضل شاهنشاه (الذي قتله الخليفة الآمر بأحكام الله) بعد أن أخرجه الجند من سجنه صبيحة وفاة الآمر بأحكام الله وأرغم الحافظ علي استوزاره. تمكن ابن الأفضل من القبض علي الحافظ واستقلّ بالاَمر وقام به أحسن قيام، وردّ إلى المصادرين أموالهم، وأظهر مذهب الاِماميّة وتمسك بالاَئمّة الاثني عشر، ورفض الحافظ وأهل بيته، ودعا على المنابر للقائم في آخر الزمان المعروف بالاِمام المنتظر على زعمهم، وكتب اسمه على السّكة. واستمر مسيطرا علي الحكم إلى أن وثب عليه رجل من الخاصّة بالبستان الكبير بظاهر القاهرة، في النصف من المحرم سنة 526هـ فقتله بتدبير من الخليفة الحافظ (المسجون)، وبادر الأجناد بإخراجه من السجن وبايعوه خليفة ودعي له على المنابر.
عين الحافظ لدين الله وزيرا له رجلا أرمنيا مسيحيا يدعى بهرام، فأعترض المسلمون عليه وكذلك المسيحيون الغير خلقدونيين، أما المسلمون فبحجة أنه لا يجوز أستوزار مسيحياً، اما الغير خلقدونيين فلخوفهم من تنامي نفوذ الأرمن الملكانيين في مصر مما قديؤثر على عقيدتهم. عمل هذا الوزير بالفعل على إحضار أقاربه واسناد الوظائف الهامة لهم، كذلك شجع هجرة أكثر من ثلاثين ألف أرمني إلى مصر. زاد في عهده بناء الكنائس والأديرة لكل المسيحيين على السواء. عندما أنتزع رضوان الوزير المسلم السلطة من بهرام حرص على استثارة الشعور الديني للمسلمين، فعمل على إذلال المسيحيين وفصلهم من وظائفهم. أما بهرام فقد رحل إلى أسوان حيث قضي بقية أيامه في دير بجوار أسوان (دير أنبا هدرا)، وبرحيله زال نفوذ الأرمن في الحياة السياسية وإن كان قد أستمر في الحياة التجارية.
توفي الحافظ لدين الله عن عمر يناهو الـ 77 عاما في الخامس من جمادى الأول سنة 544هـ (1149م) بالقاهرة وقد دامت فترة خلافته تسعة عشر عاما وسبع شهور. وتولى الخلافة بعده إبنه الظافر بأمر الله.
الأقباط تحت حكم الخليفة الظافر بأمر الله (1149- 1154م)
الطافر بأمر الله أو الظافر بأعداء الله أو الظافر بدين الله هو اسماعيل بن الحافظ لدين الله وكنبته أبو المنصور. ولد في فبراير عام 1133م (527هـ) وتولى الخلافه وعمره 17 سنة 1149م (544هـ). كان أول وزير له هو سليم بن محمد بن مصال الذي ثار عليه وإلى الاسكندريه والبحيره علي بن اسحاق بن السلار فسار إلى القاهره وخلع ابن مصال واصبح هو وزيرا على غير رغبة الظافر، وهرب ابن مصال إلى الصعيد فحاربة العادل ابن السلار حتى قتله، ثم خرج القائد عباس ابن أبو الفتوح على ابن السلار وارسل من قتله في القاهره سنة 1152م واصبح هو وزيرا ولقب بالافضل عباس وكانت علاقة ابنه نصر بن عباس قوية بالخليفه ولكن في احدى الليالى غدر نصر بن عباس بالخليفة وقتله سنة 548هـ (أبريل 1154م).
فى ايامه اخذ الصليبيين مدينة عسقلان، كان محبا للهو واللعب والوزراء متحكمين فيه وفي الدولة التي كثر فيها الضعف والوهن. بنى مسجد الفاكهين في خط الشوايين بالقاهرة.
الأقباط تحت حكم الخليفة الفائز بنصر الله (1154- 1160م)
الفائز بنصر الله أو الفائز بدين الله، هو إبن الظافر بأمر الله ولد عام 1149م بالقاهرة. لم يحكم فعليا وتوفي في سن الحادية عشرة عام 1160م بالقاهرة. تولى أخوه "العاضد لدين الله" الحكم ولم يكن قد بلغ أيضا سن الرشد.
الأقباط تحت حكم الخليفة العاضد لدين الله (1160- 1171م).
العاضد لدين الله هو عبد الله بن يوسف بن الحافظ لدين الله وكنيته أبو محمد. آخر خلفاء الدولة الفاطمية، أرتبط تاريخه وسابقيّه بتاريخ الحروب الصليبية. كتب هذا الخليفة بيده نهاية الدولة الفاطمية عندما استعان بجيوش نور الدين لتنقذه من الصليبيين.
حسب رواية المقريزي ولد العاضد يوم الثلاثاء العاشر من المحرم سنة 546هـ، وبويع للخلافة في الثالث عشر من رجب سنة 555هـ وعمره يومئذ تسع سنين. كان الخليفة العاضد لدين الله صغير السن أثناء فترة حكمه، بالإضافة إلي ضعف الدولة الفاطمية في أوآخر عهدها حتي وصلت لما هي عليه، مما أدى إلي تنازع الوزراء من حوله علي وزارة الدولة وهو لا يحرك ساكناً، فتنازع علي الوازة كلا من شاور وضرغام، أستعان شاور بملك الشام "نور الدين محمود" وأستعان ضرغام بملك بيت المقدس الإفرنجي، فقام نور الدين بإرسال حملة من الشام لنصرة شاور، كان علي رأسها أسد الدين شيركوه وأبن أخيه صلاح الدين يوسف الإيوبي، أثناء تلك الحملة وقعت مصر موقعاً كبيرا في نفس أسد الدين، وبعد أن عاد إلى الشام ظل يحلم بها وبوحدتها مع دمشق وحلب، لتحرير بيت المقدس، فعزم مع نور الدين محمود علي الخروج بحملة ثانية إلي مصر، فجرت الأمور في صالحهم عندما زحفت جيوش ملك القدس نحو مصر، وما كان من العاضد إلا أن بعث إلي نور الدين محمود، يستنجد به علي ملك الإفرج، فإرسل نور الدين حملة كبيرة بقيادة أسد الدين شيركوه، فقام الأخير بإصطحاب ابن اخيه صلاح الدين معه، وما أن أستتب الأمر في مصر، حتي عمل الوزير شاور علي إخراج الجيش الشامي من مصر، فقتلوه بإمر من الخليفة، والذي كان ناقماً عليه من سوء سياسته، وقام العاضد بتعيين أسد الدين في وزارة جديدة، فثبت بذلك أقدام بني أيوب في مصر، وهذا ما مهدا الطريق أمام صلاح الدين لحكم مصر فيما بعد.
اشهر ما حل بالأقباط في عهد العاضد هو حرق مدينة الفسطاط عام 1168م, بواسطة الوزير شاور، الذي رأى أنه في حالة إستيلاء الصليبيين عليها ستكون بوابتهم لدخول مصر وذلك لكون غالبية سكانها من المسيحيين الذين حسب شكه سيكونون في صف الصليبيين لا محالة. لم يسلم من حريق المدينة سوى ستة كنائس كانت مشيدة داخل حصن بابليون منهم كنيسة العذراء المعلقة. ونتيجة لهذا الحريق أصبح أقباط الفسطاط من الفقراء المعدمين.