ثقافة رفع الأحذية
ألبير ثابت
١٠:
١٠
ص +02:00 EET
السبت ١٩ يناير ٢٠١٩
بقلم - ألبير ثابت فهيم
ماذا جري في مصر المحروسة ؟! بأن يتحوّل أي جدل أو حوار عادي في لحظة من الغضب إلي التلويح أو الضرب بالحذاء... هل هو مؤشر عن حرية التعبير عن الرأي بأن نجد الأحذية ترفع هنا وهناك . هل هذا السلوك تم إدراجه ليكون ضمن وسائل التعبير عن الرأي بدلاً من القلم واللسان ؟! .
أنها صورة محزنة وتثير القلق على مستقبل مصر كدولة ديمقراطية تتقبل القوى السياسية الاختلاف في الرؤى والأفكار وتحولها إلى مجتمع غاب ينتهك فيه القانون وتسود لغة العنف والغوغائية. وفي هذا الإطار سوف أسرد بعض المواقف الغير لائقة على ما حدث في كثير من المواقع :-
منذ فترة بسيطة تعدى نائب مأمور مركز شرطة فارسكور، بالضرب بالحذاء، على أحد المحامين أثناء حضوره التحقيقات مع موكله، محدثاً به إصابات بالغة بالرأس ، مما أدي إلي حالة من الغضب والغليان في نقابة المحامين تضامناً معه لكونها إهانة بالغة لهم جميعاً .
أما في الحقل التربوي ( حدث ولا حرج ) فلا يمكن نسيان ظاهرة الضرب بالحذاء في كثير من المدارس منها قيام معلم بمحافظة سوهاج بخلع حذائه وضرب طالباً لأنه اكتشف أنه لم يقم بعمل الواجب وأن مستواه التعليمي ضعيف ، كما تم منذ فترة قريبة التحقيق مع معلمة تربوية بمدينة العاشر من رمضان ، لتعديها علي طالب بالحذاء لمجرد أن أسمه يحمل لقب السيسي .
حتى في القنوات الفضائية تتحول الحوارات الساخنة في لحظة بين الضيوف إلى رفع الأحذية ، فقد نشبت مشادة كلامية حادة بين الشيخ محمود شعبان ( صاحب مقولة ها تولى راجل ) والباحث الإسلامي / إسلام البحيري ، تبادل خلالها السباب دون ضبط النفس وتطور الأمر إلى رفع الشيخ شعبان حذاءه على الباحث / إسلام البحيري ليضربه به فاندفع عليه المذيع للإمساك به وتهدئته.
أثناء برنامج ( العاشرة مساءً ) الذي يقدمه المذيع وائل الإبراشي على ( قناة دريم ) قام الداعية السلفي أحمد محمود عبد لله ، الشهير بـ ( أبو إسلام ) خلال النقاش المحتدم مع الناشط / أحمد دومة ، والدكتور / عبد الله النجار الأستاذ بجامعة الأزهر برفع حذائه ووضعه على المنضدة التي يجلس عليها مع ضيوف البرنامج ، بل وصل به الأمر إلي قيامه بصنع مراكب من الورق على الهواء أثناء المناقشة ، كما طلب بكل وقاحة إحضار ( حلة مياه سخنه ليمشي فيها المراكب ) مما اضطر وائل الإبراشي إلى قطع البث المباشر فوراً . وقد علق أحد الكتاب على موقعه ساخراً بأن يكون دخول الضيوف مقرات الاستوديوهات والأماكن الحساسة بعد خلع الأحذية تماماً لمنع نشوب أي معارك بالأحذية .
من المواقف المشهودة بين السياسيين في التلويح أو الضرب بالأحذية ، أشهرها كانت واقعة داخل البرلمان المصرى ( بيت الأمة ) عام 1987 م ما يعرف بواقعة ( الحذاء ) عندما صفع النائب المعارض الراحل طلعت رسلان ، وزير الداخلية الأسبق زكي بدر، على خده تحت قبة البرلمان، ما جعل الوزير يرد بضرب النائب بالجزمة داخل قاعة المجلس . وبعدها بفترة واقعة النائب المستقل طلعت السادات بمجلس الشعب ورجل الأعمال أحمد عز ، عضو الحزب الوطني ، والتي حاول فيها السادات خلع حذائه لضرب أحمد عز بعد مشادة كلامية بينهما عن خلط العمل السياسي بالاقتصادي . كما قرأت بعض تفاصيل المشهد المخزي للحراك السياسي في مصر عندما رفع عضو البرلمان أشرف بدر المنتمى للإخوان المسلمين الحذاء معتدياً بطريقة سوقية في وجه العضو حسن القصاص والمنتمي للوطني المنحل، بعد أن أشتد النقاش بينهما .
كما استخدمت الأحذية للتعبير عن الغضب والاعتراض على موقف سياسي معين ، فقد رفع أنصار الرئيس السابق حسنى مبارك الأحذية في شهر سبتمبر عام 2005 م بمنطقة شبرا، ردًا على مظاهرة لحركة ( كفاية) ، التي كانت تحتج على ترشيح الرئيس مبارك لفترة رئاسة خامسة ، وهتفوا ( ده اللي ليكم عندنا ) . هكذا يُظهر الحذاء وسرعته في التجاوب مع المواقف .
أثار المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين السابق مهدي عاكف ضجة كبيرة وجدلاً عندما هدَّد في أحد أحاديثه الصحافية عام 2006 م بضرب المعارضين للإخوان من الآن بالحذاء ، الأمر الذي عرضَّه لنقد شديد على عنتريته الفارغة ، بل كان تعبير قوي عن عجزهم وتخلفهم ، فهناك من ينتعل الحذاء ، وهناك من يقذفه في وجه معارضيه كأننا دخلنا عصر ديمقراطية الأحذية .
ولن ينسى المصريون أيضاً حادثة وزير الخارجية المصري السيد / أحمد ماهر عام 2003م فور دخوله إلى باحة المسجد الأقصى لأداء الصلاة فيه ، إذ قام بعض المصلين من الفلسطينيين بإلقاء الأحذية عليه عند مدخل المسجد ، ما أدى إلى إصابته بسبب استئنافه عملية محادثات السلام مع المسئولين الإسرائيليي .
فالتاريخ السياسي للأحذية في مصر طويل، وربما يعود من عهد محمد علي باشا عندما أراد أن يعاقب أحد المبعوثين من طلاب الأزهر على عدم تحصيله علمًا مفيدًا من بعثته الخارجية، فأمر بأن يمسح أحذية المشايخ والطلاب على باب الأزهر...أما قبل ذلك لا أعرف دوره، فحسب الروايات القديمة يقال بأن ( القبقاب الخشبي ) لعب دورا بارزا في الثقافة الفاطمية والمملوكية حيث كان موجوداً في قلب الحدث السياسي. فالملكة شجر الدر قد ماتت ضربا بالقباقيب ، رغم أن القبقاب في الماضي كان رمزا للدلع والدلال ، وكان يستخدم بكثرة في المنازل والحمامات الشعبية، وكان من الأشياء الأساسية في جهاز أي عروس خصوصا في المناطق الريفية .
نتطلع إلي قيام المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية فى مصر بأعداد دراسة وافية عن أصل الداء في مسألة رفع الحذاء ودوره تاريخيًا واجتماعيًا وسياسيًا، وأسباب إرتفاع معدلات استخدامه في كافة مناحي الحياة بمصر، خاصة بين الخصوم السياسيين. أما من جهتي سوف أرفع عيني إلي السماء وأقول : يارب اكفني شر القذف بالأحذية، وحنن قلب خصومي ليكتفوا بكلمات العتاب الراقية ( أمين ) .