عدد يناير 2019 من دورية الملف المصري يناقش حماية التراث والآثار في مصر
٣٣:
٠١
م +02:00 EET
الاثنين ٢١ يناير ٢٠١٩
على الرغم من الكنوز الأثرية التي تحتويها مصر، والتي مازال يكتشف منها الكثير حتى وقتنا الراهن، فضلًا عن ريادتها وسبقها عن كل دول المنطقة فيما يخص تراثها الثقافي، بأنواعه المختلفة، إلا أن الحفاظ عليه مازال يعيقه العديد من التحديات. وفى سياق ما سبق خُصص العدد (53) يناير 2019 من دورية الملف المصري من أجل مناقشة حماية التراث والآثار فى مصر، ونظرًا لكون تحديد مفهوم التراث يمثل حجر العثرة في التعامل معه، فقد حرص كتاب العدد على تقديم إسهامات متعددة ومتنوعة لمفهوم التراث كمدخل هام لفهم إشكالية الحفاظ عليه. ثم تناول العدد تقييم لمدى فاعلية السياسات التي اتخذتها الدولة في هذا الشأن، فضلًا عن دور المجتمع المدني، وأهم التحديات التي تواجهه، مع الأخذ في الاعتبار الدروس المستفادة من التجارب الدولية في الحفاظ على التراث.
وقد استهلت العدد الدكتورة جليلة القاضي - أستاذة التخطيط العمراني بجامعات فرنسا - بمقالة جاءت تحت عنوان "الحفاظ على التراث الثقافي والعمراني في مصر"؛ حيث أكدت أن الحفاظ علي التراث الثقافي، والاهتمام به لا يجعل منه فقط عامل من عوامل التنمية المستدامة بل عمادها وركيزتها الأولي. وقد حرصت على توضيح تطور مفهوم التراث، ثم استعرضت عدد من التحديات التي تواجه الحفاظ عليه، ورأت أن تراكمها أدى إلى إلحاق أضرار بالغة بالتراث الثقافي؛ وذلك تزامن مع حدوث تراجع هائل في مشاريع الحفاظ ليتم التركيز علي إنشاء المتاحف، وعلى الرغم من أهميتها إلا أنها لا تعد بديلًا عن الحفاظ علي التراث الثقافي الممثل في الأنسجة القديمة للمدن. ومن ثم فإن التصدي لتلك التحديات يتطلب توافر إرادة سياسية وإدارة رشيدة للموارد المتاحة وكيفية توظيفها، وكذلك الاستماع إلي المتخصصين والاستفادة من دراساتهم في هذا المجال.
وتحت عنوان "الدروس المستفادة من التجارب الدولية لحماية الآثار فى مصر" كتبت الدكتورة ياسمين الشاذلي – المشرف العلمي بإدارة النشر العلمي بوزارة الآثار - المقالة الثانية، والتي دارت حول فكرة رئيسية؛ وهى أن تراث وآثار العالم لا يعد حكرًا على الدولة المالكة بل ملكًا للإنسانية كلها. وفيما يخص مصر فإنه يوجد بها سبعة مواقع على قائمة التراث العالمي؛ منها ستة مواقع مسجلة كتراث ثقافي، وموقع واحد تراث طبيعي، ومن ضمن مواقع التراث الثقافي موقع واحد على قائمة الخطر وهو موقع "أبو مينا" بالصحراء الغربية الذي يحتوي على مدفن القديس مينا. ومن التجارب الناجحة التي استدلت بها في المقالة تجربة دولة إثيوبيا التي استطاعت أن ترفع منتزه سيمين الوطني، وهو موقع تراث طبيعي، من قائمة التراث المعرض للخطر في عام ٢٠١٧. ثم تناولت المقصود بإدارة الموقع التراثي، وأهم الإشكاليات التي تواجه المتاحف المصرية. واختتمت المقالة بالتأكيد على ضرورة تضافر الجهود المصرية الساعية لاسترداد الآثار الهامة المنهوبة، مع باقي الدول الأخرى التي لها تاريخ عريق وتقوم بنفس الجهود من أجل ضمان فاعلية الضغط لعودة ما تم نهبه إلى مواطنه الأصلية.
وعن "دور المجتمع المدني في الحفاظ على التراث المعماري المصري" استعرضت الدكتورة أمنية عبد البر – مدير مشروع المؤسسة المصرية لإنقاذ التراث وباحثة في متحف فيكتوريا وألبرت بلندن- في المقالة الثالثة، أهم المخاطر التي تواجه اندثار التراث المعماري في مصر؛ من بينها الحركة العمرانية التي تشهدها معظم المدن المصرية، خاصة في العاصمة، والتي أدت إلى اعتداءها على المراكز التاريخية لهذه المدن دون مراعاة للطبيعة الخاصة التي طالما ميزت أحيائها القديمة. وكرد فعل لتلك التجاوزات تشكلت العديد من منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال المحافظة والارتقاء بالتراث المصري والتوعية بأهميته. وقد رأت عبد البر أن تأثير المجتمع المدني يظل دوره وتأثيره محدود على الرغم من وجود خبرات عالية جدًا بين أفراده، ويعود ذلك في إحدى جوانبه إلى محدودية الآليات المتوافرة من جانب الحكومة أو القطاع الخاص لتوفير التمويل اللازم من أجل المضي في مشاريع معنية بالترميم أو التوثيق أو حتى التدريب. فضلًا عن صعوبة الإجراءات والقوانين الحاكمة لعمل الجمعيات والمؤسسات في مصر.
ونظرًا لأهمية قضية الحفاظ على التراث الموسيقي، فقد تناول الأستاذ سعيد عكاشة - باحث مشارك في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية – في المقالة الرابعة، والتي جاءت تحت عنوان "حفظ التراث الموسيقي بين المعنيين المتحفي والتطوري" تلك القضية؛ حيث أكد أن كافة التوجهات التي
هدفت لتسييد أحد مكونات التراث المصري علي حساب المكونات الأخرى الداخلة فيه، لم تنجح لا علي المستوي المتحفي ولا علي المستوي التطوري
. وقد بين المقصود بالمستوي المتحفي بأنه مجرد حفظ التراث سواء المادي أو الفكري في حدود بعده المتجسد وغير المتفاعل مع الحياة الحديثة، بينما
يقصد بالمستوي التطوري ذلك المستوي الذي تخلقه عمليات التفاعل بين المكونات المختلفة لتراث الأمة وبين تطلعاتها للمستقبل، والتي تعد عملية مستمرة من أجل إعطاء التراث استمراريته دون أن يعيق المستقبل أو يشده إليّ الخلف. وفيما يخص تطور التراث الموسيقي المصري، فقد أكد أن تاريخ الموسيقي المصرية تسلل إليها عناصر أولية تعود لحقب بعيده، حتى أصبحت الموسيقى الخاصة بكل حقبة عبارة عن نتيجة تلاقح مع ما أنتج في المرحلة الأسبق عليها، وهكذا بقي التراث محفوظًا من خلال التناقل بين الأجيال المختلفة. وفيما يخص فكرة حفظ التراث الموسيقي فلم تبدأ إلا في أعقاب ظهور التقنيات و التكنولوجيا التي مكنت البشر من حفظ تراثهم مثل ابتكار الأسطوانات في أوائل القرن العشرين مرورًا بظهور فن السينما، وانتهاء بأحدث التقنيات التي تسجل كل ما هو مسموع ومرئي. وقد رأى أن من هاجموا المنحي التطوري في التعاطي مع التراث الموسيقي ربما انطلقوا في فهمهم لمعني التراث من نظرة طبقية ضيقة حصرته في دائرة تناسب ذوقها ولا تعكس التراث بمعناه الشامل والذي يخص الأمة بأكملها. واختتم عكاشة تحليله بالتأكيد على أن الحفاظ على التراث الموسيقى، واستمراره لا يجب أن يقتصر فقط على البعد المتحفي، بل يتطلب أيضًا تشجيع الأجيال الشابة علي إعادة صياغته بما يتلائم مع إيقاع عصرهم وثراء انفتاحهم علي فنون وغناء شعوب أخري.
واختتمت العدد الأستاذة ياسمين أيمن – باحث مساعد في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية - من خلال مقالة جاءت تحت عنوان "المنظومة القانونية والمؤسسية لحماية الآثار المصرية"، وقد استعرضت بداية أهم مواطن الخلل في قطاع الآثار المصري، ثم رصدت تطور الجانب التشريعي الخاص بحماية قطاع الآثار، وتطويره والذي تضمن؛ إما استصدار قوانين جديدة أو إدخال تعديلات على القوانين القديمة.
ثم تناولت أهم الخطوات والإجراءات التي اتخذتها الحكومة المصرية في الآونة الأخيرة من أجل الحفاظ على التراث المصري من جهة، وإصلاح قطاع الآثار والمناطق السياحية من جهة أخرى؛ ومن بينها إشراك القطاع الخاص، والتسجيل الإلكتروني للمقتنيات الأثرية، وتجديد المناطق ذات الطابع التراثي. وقد قدمت ياسمين في نهاية المقالة عدد من المقترحات والاجتهادات استنادًا على أراء وتوصيات المختصين في هذا الشأن من أجل تنويع الأفكار المتعلقة بإصلاح منظومة الآثار المصرية.
الكلمات المتعلقة