يوم لن ينساه المصريون.. الجمعة 25 يناير 1952 معركة الاسماعيلية
سامح جميل
الخميس ٢٤ يناير ٢٠١٩
سامح جميل
فى ليلة ذلك اليوم الموافق ٢٥ يناير ١٩٥٢ بدأت أولى حلقات الخسة والغدر، بعد أن طلب الجنرال الإنجليزى «أرسكين» من قواته العسكرية الضخمة المدججة بأحدث الأسلحة والذخيرة التحرك فى مدينة الإسماعيلية؛ لإخلائها فوراً من رجال الشرطة المصرية الموجودة بها وتجريدهم تماماً من أسلحتهم، وحتى الساعة الثالثة من صباح ذلك اليوم نجحت القوات البريطانية فى محاصرة المدينة بينما انطلقت العربات المصفحة والدبابات فى سائر شوارع الإسماعيلية وهى تُطلِق نيرانها العشوائية بين أقسام الإسماعيلية الأربعة، وفى الوقت نفسه قامت القوات البريطانية باختطاف بعض قوات البوليس المصرى المنوط بهم المحافظة على الأمن فى الشوارع، بينما كانت سيارات «الجيب» الإنجليزية توجه الإنذارات للأهالى وتحذرهم بأنها سوف تطلق الرصاص عليهم فى حالة مغادرتهم بيوتهم، وجاءت الساعة الخامسة صباحاً والمنظر مرعب والمدينة محتلة بكاملها بالدبابات والطرق مقطوعة، بدأت الدبابات البريطانية تطلق قذائفها فى الفضاء ومنحت للشرطة المصرية مهلة لكى يسلم جنودها أنفسهم، لكن المهلة انقضت فى الساعة السابعة وعشر دقائق، بعدها مباشرةً عمد الجنود الإنجليز إلى إطلاق النيران على رجال الشرطة المصرية بلا هوادة أو رحمة، وانهمرت قذائف «السنتريون» - زنة الخمسة والعشرين رطلاً- على مبانى المحافظة والقشلاق، بينما كانت الدبابات المتوسطة والمصفحات تقصف المبانى بالقنابل الحارقة، وجاء رد الجنود المصريين سريعاً بإطلاق الرصاص من أسلحتهم العادية، ومجدداً أعلن القائد البريطانى فى الميكروفون طلبه مرة أخرى من الشرطة المصرية بالتسليم،
وأعاد الطلب ثلاث مرات إلا أن طلبه قوبل بالرفض، واستمروا فى المقاومة بأسلحتهم الخفيفة وتحولت مبانى المحافظة وقشلاق بلوكات النظام إلى بساط مصبوغ بالدماء الزكية، أخذ عدد القتلى يتزايد وحدث أن أصيب جندى بدفعة رصاصات طارت على أثرها ذراعه، فاضطر قائد قوات الشرطة فى الإسماعيلية اليوزباشى مصطفى رفعت أن يرفع راية توقف الضرب، وجاء القائد البريطانى وسأل اليوزباشى: (هل ستسلمون؟) فرد عليه اليوزباشى: (لا طبعاً، أنا أطلب الإسعاف للجرحى)، فقال القائد البريطانى: (لن تحضر الإسعاف سلموا أولاً)، فأجابه اليوزباشى: (لا لن نسلم)، فاستشاط القائد البريطانى غيظاً وهو يخبط رجله فى الأرض بعنف: (قلت لك سلم أولاً)، عاد اليوزباشى لموقعه بينما ظل الضرب مستمراً حتى الرابعة عصراً وأمام استبسال المصريين تدخلت الطائرات والسفن الحربية البريطانية من الجو ومن بحيرة التمساح فى المعركة، وكان مبنى القشلاق قد تهدم تماماً، وكذلك بدأت أجزاء من المحافظة تنهار والحرائق تشتعل ومواسير المياه تُدَمّر، وكان أصعب شىء أن تمس هذه المياه جروح العساكر المصابين، وهنا زاد الصراخ من شدة الألم، واستثيرت الأعصاب، وقرر اليوسباشى مصطفى رفعت أن يخرج للالتحام مباشرة مع القائد البريطانى، لكنه عندما خرج فوجئ بضابط إنجليزى آخر أكبر منه بمجرد أن رآه حياه تحية عسكرية، فحياه اليوسباشى بدوره، واتضح أنه الجنرال «ماتيوس» قائد المنطقة الذى جاء عندما طالت المعركة، ووجه حديثه لليوزباشى وقال: (أنت ورجالك قمتم بأكثر من الواجب، وشاركتم فى معركة كبرى وموقفكم مشرف،
وأنا مستعد لتلبية كل مطالبكم لكن عليكم أولاً وقبل كل شىء إنزال هذا الشىء الرث)، وكان يقصد العلم المصرى، فرد اليوزباشى: (أول طلب لنا أن يبقى علمنا، وسوف نخرج فى طابور منظم ولن نرفع أيدينا ونأخذ وعد شرف بحسن معاملتنا)، فأبدى ماتيوس موافقته على كل الطلبات. والحقيقة أن المصريين لم يسلموا إلا بعد أن نفدت ذخيرتهم تماماً، وسقط من بواسل الشرطة المصرية حوالى 52 شهيداً وحوالى 42 جريحاً، بينما قتل من الإنجليز حوالى 18 جندياً وأصيب 46 آخرون، وقد ترتب على هذه المذبحة آثار وخيمة كانت بمثابة نقطة انطلاق لأحداث سياسية كثيرة وخطيرة، بدأت بحريق القاهرة وانتهت بإقالة حكومة مصطفى النحاس، ثم تولت عدة حكومات مقاليد الأمور كانت مدة إحداها ٢٤ ساعة فقط، ثم قيام حركة الضباط الأحرار فى ٢٣ يوليو عام ١٩٥٢ وما تلاها من أحداث كان لها تأثيرها فى حياة المصريين...!!