بقلم الباحث/ نجاح بولس
مر مفهوم المواطنة بمراحل متعددة وتطور وفق السياقات التاريخية والاجتماعية والسياسية للدول، ورغم إنتشار المصطلح والإلحاح عليه في المواثيق والفعاليات الدولية إلا أن المجتمعات التي ترتكز عليه لا تمثل أغلبية ضمن سكان الكوكب، فبينما إتسع المفهوم ليشمل كل المنتمين للدولة بإختلاف فئاتهم وطبقاتهم في بعض المجتمعات، ضاق افقه في دول أخرى ليقتصر على طبقة معينة خصها بالتمتع بالمواطنة الكاملة دون باقي الطبقات.
وتعد الثورات السياسية التي إندلعت في القرنين السابع عشر والثامن عشر في أوروبا وأمريكا نقطة إنطلاق هامة في صعود مفاهيم المواطنة وحقوق الإنسان، ووضع الأسس الأولية للحقوق السياسية والمدنية بالمعنى المعاصر، من خلال إعلانات أكدت على حقوق وواجبات إنسانية أساسية مثل الحرية والملكية والمساواة وحق المقاومة، أبرزها كان إعلان الإستقلال الأمريكي عام 1776، وإعلان حقوق الإنسان والمواطن في فرنسا عام 1789، وقد ترجمت هذه الإعلانات في صورة دساتير تضمنت ما جاء بها من حقوق ومسئوليات في صورة تشريعات، إلى أن صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من طرف الأمم المتحدة عام 1954، فصار بعدها مفهوم المواطنة متصدراً أولويات الدساتير حول العالم، والقضية الأكثر إلحاحاً لدى الشعوب سواء على مستوى الصراع بين الطبقات الشعبية والحاكمة أو بين الأقلية والأكثرية.
وفي دراسة دكتوراه للباحث Pamela Stumpo بجامعة واشنطن بالولايات المتحدة عام 2012 ، تناولت صعود مفهوم المواطنة في المجتمع المصري من خلال دراسة ثلاثة من الفئات المهمشة التى إستخدمت مصطلح المواطنة فى خطابها للمجتمع وهى ( المرأة، الأقباط، البهائيين)،إستهدفت الدراسةفحص الخطاب العام فى مصر خلال حكم مبارك، حيث جاء التساؤل الرئيسى للدراسة ليبحث أسباب ضعف الدولة تجاه تصعيد بعض الفئات المهمشة لقضايا كان معتم عليها وممنوعة من الطرح، فى أكثر فترات الإستبداد والقمع لنظام الحكم.
أشارت الدراسة إلى أنالمواطنة أصبحت مصطلحاً بديلاً يستخدم لمناقشة القضايا المثيرة للجدل التي لم يكن من السهل مناقشتها فى المجال العام، كما استخدم النشطاء هذا المصطلح بالمعنى الحرفي، وطالبوا بالإندماج في المجتمع المصري على أساس وضعهم كمواطنين، وتبين أن الفئات الثلاثة (مرأة، أقباط، بهائيين) إستخدموا مصطلح "المواطنة" - بموافقة ضمنية من النظام - كقاعدة في مناقشة أوضاعهم التي تميزت بمستويات مختلفة من الضعف والاضطهاد، وهكذا أصبحت كلمة "المواطنة" وسيلة للمجموعات المهمشة لإدماج نفسها في المعترك السياسي وخلخلة النظام السلطوي.
وكانت الجماعات النسائية أول من إستخدم هذه اللغة مطالبة بالمساواة بين الجنسين وفق مبادئ المواطنة، وكنتيجة غير مقصودة لحملتهم إتسعت مساحة في الخطاب العام للسماح بإجراء مناقشات أوسع حول المواطنة، بدأ معها عملية إتصال عبر المجموعات غير المحتملة سهلت فى النهاية على المسيحيين الأقباط والبهائيين تبني خطاب المواطنة لأغراضهم الخاصة.
وعلى الرغم من إستخدام الفئات الثلاث لنفس اللغة إلا أنها لم تستخدمها بنفس الطريقة، حيث يختلف مستوى الجرأة فى إستخدام مصطلح المواطنة لتحدى النظام فى العلن حسب الحجم النسبى لكل فئة فى المجتمع، ومدى قوتها أو ضعفها، ومستوى القمع الواقع عليها، ومستوى الإستبداد فى المجتمع، وقد توسعت بعض المجموعات القبطية فى إستخدام خطاب المواطنة لمناقشة القضايا المثيرة للجدل أكثر من غيرهم من الفئات الأخرى، معتقدين أن خطاب المواطنة لا يسمح لهم بالمشاركة في المجال العام فحسب، بل يدفع إلى التحول نحو المشاركة السياسية من خلال توسيع هذا المجال وجعله أكثر شمولا.