تململ بين الناشطين المسيحيين السوريين من زعمائهم الروحيين المدافعين عن النظام.. ودعوات لعقد لقاء ضد المواقف الرسمية للكنيسة
ناشط مسيحي لـ«الشرق الأوسط»: موقف الكنيسة يجردها من إنسانيتها التي هي روح الدين المسيحي
دمشق – لندن: «الشرق الأوسط»
يتدارس عدد من الشباب السوريين من طوائف مسيحية عدة، فكرة عقد لقاء أو ندوة لبحث سبل إعادة المسيحيين إلى موقعهم الصحيح في الوطن السوري، وذلك للرد على مواقف آباء الكنائس السوريين الذين اختاروا وإن بشكل موارب الوقوف إلى جانب النظام السوري. ويقول الناشطون من الطوائف المسيحية التي تشكل نحو 4.1 في المائة من السكان، ويبلغ عدد أفرادها نحو 750 ألف نسمة (من أصل 22.5 مليون نسمة)، إن مواقف آباء الكنائس «تتناقض مع أبسط المبادئ الروحية والإنسانية للدين المسيحي، والتي تعز النفس البشرية وتنبذ العنف والقتل وتحرم إهانة وقتل الجسد باعتباره هيكل الروح القدس».
ووصف ناشط مسيحي يعيش في دمشق، وهو من المثابرين على المشاركة في المظاهرات المطالبة بالحرية، مواقف بعض رؤساء الطوائف المسيحية بأنها مواقف «مخزية». وقال الناشط لـ«الشرق الأوسط» في اتصال هاتفي أجري معه من لندن، إن «رؤساء الطوائف يرتكبون خطأ فادحا بعدم استنكارهم وإدانتهم للقمع الوحشي الممارس ضدنا، أي الشعب السوري الأعزل، وكأن قتل البشر وانتهاك الحرمات لا يعنيان الكنيسة ولا رعاياها».
واعتبر أن هذا «يجرد الكنيسة السورية من إنسانيتها التي هي روح الدين المسيحي، كما يجردها من وطنيتها»، موضحا «لطالما كان مسيحيو المشرق العربي روادا في النهضة العربية وشركاء في النضال من أجل نيل الحرية والاستقلال». وعبر عن تمنيه ورفاقه من المسيحيين والمسلمين أن تخرج المظاهرات من الكنائس كما تخرج من الجوامع، وقال إنه «أصبح وعدد من الشباب والشابات المسيحيين من المثابرين على الصلاة يوم الجمعة في المساجد من دون أن يعلنوا أنهم مسيحيون، إلا أن إمام جامع في ريف دمشق لأكثر من مرة كان يختم صلاته بالسلام على المسلمين وغير المسلمين وهو ينظر إلينا».
وأكد الناشط المسيحي وجود عدد كبير من أبناء الطوائف المسيحية في أنحاء متعددة من البلاد من «المشاركين والداعمين للثورة»، عدا عن المسيحيين البارزين في المعارضة، لكنه رأى «أن موقف أرباب الكنائس يعمي على هذه المشاركة المشرفة»، ويسهم في تكريس دعايات النظام عن أن «ما يجري في سوريا اليوم ليس ثورة من أجل الحرية وإنما هو صراع طائفي بين المسلمين السنة والعلويين، وكأنما المسيحيين خارج ما يجري». وقال إن «هذا يلحق ضررا فادحا بالوجود المسيحي في المنطقة، إذ يعزله عن محيطه الإسلامي، ويقتلعه من جذوره».
ولا يرى الناشط مبررا للمواقف الرسمية للكنائس سوى أنها «تعتبر نفسها جزءا ملحقا بالسلطة الزمنية الزائلة، وتربط مصير السلطة الروحية بمصير السلطة الزمنية في سوريا، وأيضا شريكة لها في جرائمها وفي تآمرها على الوحدة الوطنية والدفع باتجاه تفريغ المنطقة من تنوعها». ولفت الناشط إلى أنه «لذلك لاقت الفكرة التي طرحها المعارض البارز ميشيل كيلو في شهر يوليو (تموز) الماضي قبولا في أوساط العلمانيين المسيحيين».
وكان المعارض السياسي والكاتب ميشيل كيلو دعا العلمانيين من مسيحيي المولد إلى «فتح نقاش أو عقد ندوة حول موضوع وحيد هو سبل إعادة المسيحيين إلى موقعهم الصحيح من الجماعة العربية الإسلامية، وإلى دورهم الثقافي المجتمعي في خدمتها، بعيدا عن أي سلطة غير سلطة الجوامع الإنسانية والمشتركات الروحية والمادية التي تربطهم بها». وقال إنه «في زمن التحول الاستثنائي الذي لا سابقة له في تاريخ العرب، فإن هكذا لقاء يمثل فرصة لامتلاك وبناء الدولة التي تعبر عن حريتها وحضورها في شأن عام عاشت المسيحية فيه وبفضله، لأنه كان مرتبطا بالدولة في مفهومها المجرد والسامي، ومنفصلا عن شأن سلطوي استبدادي الطابع والدور، مما حمى المسيحية من شرور وبطش السلطوية وغرسها بعمق حاضنتها الطبيعية، المستقلة نسبيا عن السلطة والسياسة، بفضل الإسلام وفضائه الإنساني، المتسامح والرحب».
وانطلق كيلو في دعوته إلى أن «الدين ليس ملكا للكنيسة، التي تبلد شعورها وفقدت علاقتها مع الواقع ومع حساسية المسيحية الإنسانية، ولأن للعلمانية الحق في ممارسة وفهم الدين بالطريقة التي تريدها، خارج وضد الكنيسة أيضا».
من جانبها، قالت ناشطة مسيحية من حماه لـ«الشرق الأوسط»، في اتصال هاتفي، إن تلك الدعوة بداية لانقسامات جديدة في الكنيسة، وحملت المسؤولية لرؤساء الطوائف «الذين لا يريدون أن يروا الواقع، وهو أن المسيحيين على الأرض يدفعون ثمن الحيادية السلبية لرؤسائهم الروحيين، سواء بعزلهم وقطع صلاتهم مع مجتمع يتشاركون فيه العيش مع المسلمين من مئات السنين، أو بقتل أبنائهم من الموالين للنظام والمتعاونين مع الأجهزة الأمنية». وأشارت إلى أن «أكثر من شاب مسيحي قتل خلال الأحداث، لا سيما في حمص، للاشتباه في تعاونهم مع الأجهزة الأمنية». ودعت رؤساء الكنائس إلى ضرورة التنبه إلى «خطورة تراكم الأحقاد»، والتي ستشكل خطرا كبيرا على الوجود المسيحي في المنطقة. وقالت إنها «لا تمانع في عقد ندوة أو مؤتمر للمسيحيين خارج الكنيسة وضد مواقف الكنيسة إذا لم تستطع أن تمثل رعاياها»، وقالت «لا يمكن للمسيحية في الشرق أن تكون بمعزل عما يجري، فكيف إذا كان أبناؤنا منخرطين في الثورة؟».
واتهمت الناشطة الحموية الكنيسة «برمي أبنائها إلى التهلكة، حين تتخلى عن الناشطين منهم في الثورة ولا تنصت لأصوات الحق»، مشيرة إلى «قيام عدد من الشباب بمخاطبة الكنيسة لاتخاذ موقف واضح إن لم يؤيد الثورة فعلى الأقل يستنكر القتل والعنف، ويكف عن ترويج دعايات النظام في التخويف من المسلمين والمد الإسلامي، لأن سوريا بحكم التاريخ والجغرافية بلد تعددي معتدل لم يكن يوما حاضنا للتطرف، منذ فجر الحضارة».
وعبرت الناشطة الحموية عن استيائها من مسيرات التأييد التي نظمها رجال الأعمال من غير المسيحيين ومن المؤيدين للنظام في الأحياء المسيحية في دمشق، فبدا وكأن كل المسيحيين يحبون نظام بشار الأسد، وقالت «تارة نسمع بطريركا يتحدث عن معنى البشارة باسم بشار الأسد، وأخرى يسهب كاهن في اللقاء التشاوري في الحديث عن إنسانية الرئيس بشار، وآخر يتخوف من الإسلام المتطرف.. إلخ». واعتبرت صمت الكنيسة وتغاضيها عن ذلك «عارا عليها»، كما أنه من العار أن تصمت عن انتهاك حرمة المساجد وقصف المآذن، وقالت إن «السكوت عن الرقص في الأحياء المسيحية على دماء أهلنا من الشعب السوري بجميع أطيافه، والتأييد لنظام ينتهك المساجد ويمزق كتب الله، لن يجنب البطش، فمن قصف المآذن لن يتورع عن قصف قبب الكنائس والصلبان». ولهذا وجهت الناشطة الحموية دعوة لأرباب الكنائس إلى «التعبير عن موقف ينسجم مع روحانية وإنسانية الدين المسيحي، ويحض المسيحيين على الحفاظ على الوحدة الوطنية بالتلاحم مع أبناء شعبه في نضاله من أجل الحرية، فالمسيح جاء لنصرة المظلومين لا الظالمين». وأكدت أن «المحنة التي يعيشها الشعب السوري اليوم تشكل اختبارا لمواقف رجال الدين الموالين للسلطة من كل الطوائف، الذين طالما تغنوا بالتعايش والعيش المشترك في حفلات وملتقيات جرت تحت رعاية السلطة»، متساءلة عما إذا كانت دعواتهم تلك «محض دعايات سياحية للنظام، وعما إذا كانت الكنيسة ترضى بالقيام بهكذا دور هزيل ومخز».
وكان البطريرك الماروني في لبنان بشارة الراعي قد ضم صوته، قبل يومين، إلى أصوات زعماء الطوائف المسيحيين في سوريا، ودعا إلى منح الرئيس السوري بشار الأسد فرصة لتطبيق الإصلاحات، معبرا عن مخاوفه من تفتت سوريا ونشوء حرب أهلية وأنظمة إسلامية. وعبر الراعي الذي تسلم مهامه قبل أشهر قليلة، خلفا للبطريرك نصر الله بطرس صفير الذي يعرف بمواقفه المتشددة ضد النظام السوري، عن تفهمه لموقف الأسد وفي الوقت نفسه عن «خشيته من مرحلة انتقالية في سوريا» قد تشكل تهديدا لمسيحيي الشرق، وذلك قبل زيارة مقررة إلى لورد في جنوب فرنسا. وصرح الراعي خلال مؤتمر أساقفة فرنسا «كنت آمل لو يعطى الأسد المزيد من الفرص لتنفيذ الإصلاحات السياسية التي بدأها». وقال «في سوريا، الرئيس ليس شخصا يمكنه أن يقرر الأمور وحده. لديه حزب كبير حاكم هو حزب البعث. (الأسد) كشخص هو إنسان منفتح، تابع دراسته في أوروبا، وتربى على المفاهيم الغربية. لكن لا يمكنه القيام بمعجزات وحده». وأضاف «لقد عانينا نحن من النظام السوري، لا أنسى ذلك، لكني أريد أن أكون موضوعيا، فهو (بشار الأسد) بدأ سلسلة من الإصلاحات السياسية، ومن المفترض إعطاء مزيد من الفرص للحوار الداخلي.. مزيد من الفرص لدعم الإصلاحات اللازمة وأيضا تفادي أعمال العنف والحرب». وأقر الراعي «لسنا مع النظام، لكننا نخشى المرحلة الانتقالية»، مضيفا «علينا أن ندافع عن المسيحيين وعلينا أن نقاوم بدورنا».
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :