الأقباط متحدون | المواطنة هي الحل (4)
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٢١:٥٩ | الأحد ١١ سبتمبر ٢٠١١ | ٦ نسئ ١٧٢٧ ش | العدد ٢٥١٣ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

المواطنة هي الحل (4)

الأحد ١١ سبتمبر ٢٠١١ - ٣٦: ١٠ ص +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

بقلم: أحمد صبح
أورد السيد "محمد بن أبي السرور البكري الصديقي"، المتوفي عام 1087 هجرية، في كتابه "الكواكب السائرة في أخبار مصر والقاهرة"، ثمانية وأربعين سببًا في ذكر ما اختصت به "مصر" و"القاهرة" من محاسن وفضائل، وأورد كذلك ثمانية وأربعين سببًا في تفضيل "مصر" أرضًا وأهلًا على غيرها من بلاد الدنيا. ويقول في السبب الأربعين عن قبط مصر، إنهم من ذرية الأنبياء عليهم السلام.

ويقول "أحمد رشدي صالح"– مؤرخ الأدب الشعبي وفنونه– إن الأدب القبطي العامي واللغة الدارجة القبطية، مازجا الأدب العربي واللهجات العامية العربية، واستوى في ذلك مزاج عربي قبطي وكل مزاج قبطي إسلامي.

وهذا يصلح على الشكل والمحتوى سواء بسواء. وإذا كنا نؤرِّخ لأدبنا الشعبي الشفاهي باستخدام العامية في "مصر"، فالواقع أن بذوره أقدم من ذلك بكثير، وأنها ترجع إلي الأدب الشعبي المصري الفرعوني القبطي في أطواره السابقة. كذلك حدث تزاوج بين الروح الإسلامية والفن القبطي.

أسوق ذلك ليعلم دعاة الإقصاء والإبعاد إنهم يقفون ضد طبيعة هذا الشعب، وأن انفراد طائفة دون أخري بالقرار في "مصر"، إنما هو ضد حركة التاريخ للمصريين. لذلك، فإن أولئك "تفكيكيين" جعلوا ما لدينا من الأسئلة أكثر مما لدينا من الإجابات. والمطلوب الآن هو تبرير المبادئ الأخلاقية بحجج عقلية، لأن الطبيعة لا ترتكب الخطأ، بل الخطأ يحتاج إلي إنسان يرتكبه.

إنني أرى أن بعض الجماعات والطوائف عندها أمية في الممارسة السياسية، لأن النظام السابق جعل دائرة الزمن مكرَّرة ومغلقة، مما ولَّد إحساسًا بالسأم والعبث واللاجدوى. فقد تحجَّر الزمن منذ ثلاثين عامًا، وأصبح عاجزًا، لا يمكن التفاعل معه أو التغلب عليه.. فقد كان الماضي والحاضر والمستقبل قبل 25 يناير 2011 كتلة واحدة لا حياة فيها، والتاريخ جثة هامدة، والزمن مفقود.. هذا وهذا أدى إلى صراعات حادة وتناقضات مريرة، لأن حركة الذهن لا تعرف الاستقرار بل تعرف التنقل والقفز والتشعب والتناثر اللامنتقي. لذلك وجدنا من يتصدر المشهد الآن بلا برهان وبلا حجة، معتمدًا على صدقية أفكاره، مستحضرًا ثقافة غريبة على وطنيتنا السمحة وإسلام "مصر" الحنيف.

من هنا لابد أن نحدد محور الثقافة على أنها- وقبل كل شيء- "ثقافة وطنية"، وأن هذه الثقافة تعني تعبئة كل الطاقات الحضارية المصرية منذ سبعة آلاف عام على اختلاف العصور الفرعونية والقبطية والإسلامية العربية في المقام الأول، مع الأخذ بكافة المعطيات الإيجابية للحضارات الأخرى والثقافات المتنوعة، بما في ذلك الحضارة الغربية، في عملية انتقائية تهدف إلي دعم فعاليتنا واحترام خصوصيتنا. لذلك، فإن مفهوم الثقافة الوطنية يقتضي أن تتحدَّد سياسة ثقافية قادرة على إنجاز مهام الثقافة الوطنية لا أن تتحول الثقافة إلى علاقات مجاملة أو تطبيع، مما يؤدي إلي الانبهار بالشكل واحتقار الذات..

لذلك، فنحن في حاجة إلى مبدعين يحققون قوة اللحظة كما كان يفعل أسلافنا من قبل. فعندما تقرّر سفر "سعد زغلول" لبدء المفاوضات مع الإنجليز حول الاستقلال، اقترح "عبد العزيز فهمي"- عضو الوفد المفاوض، وأحد زعماء الأمة- أن يكتب "أحمد شوقي" دعاءًا يتوسل به أبناء "مصر" المسلمون والأقباط في يوم واحد إلي الله، أن يوفق الوفد في المفاوضات من أجل الاستقلال، فكتب "شوقي" الدعاء أو الأنشودة الوطنية كما يسميها الدكتور "وليام سليمان قلادة"- الفقيه القانوني الكبير- وصلى بها أقباط "مصر" ومسلموها في يوم واحد كان يوم جمعة.. يقول شوقي:

"اللهم قاهر القياصرة، ومذل الجبابرة، وناصر من لا له ناصر، ركن الضعيف ومادة قواه، وملهم القوي خشيته وتقواه، ومن لا يحكم بين عباده سواه– هذه كنانتك فزع إليك بنوها، وهرع إليك ساكنوها هلالًا وصليبًا، بعيدًا وقريبًا، شبانًا وشيبًا، نجيبة ونجيبا، مستبقين كنائسك المكرمة التي رفعتها لقدسك أعتابًا، ميممين مساجدك المعظمة التي شرعتها لكرمك أبوابًا، نسألك فيها بعيسي روح الحق ومحمد نبي الصدق وموسي الهارب من الرق، كما نسألك بالشهر الأبر وصائميه وليله الأغر وقائميه، وبهذه الصلاة العامة من أقباط الوادي ومسلميه، أن تعزنا بالعتق إلا من ولائك، ولا تنزلنا بالرق لغير الآئك، ولا تحملنا على غير حكمك واستعلائك".. إلي أن قال "شوقي"- رحمه الله-: "اللهم كن أنت الوكيل عنا توكيلًا غير محدود، سبحانك لا يحدد لك كرم ولا وجود، ويرد إليك الأمر كله وأمرك غير مردود، اللهم قلدنا زمامنا، وولنا أحكامنا، وأجعل الحق إمامنا، وتمم لنا الفرح بالتي ما بعدها مقترح، ولا تجعلنا اللهم باغين ولا عادين، واكتبنا في الأرض من المصلحين غير المفسدين فيها ولا الضالين آمين".

يقول "عبد العزيز فهمي" في كتابه "هذه حياتي": "إن إقبال المواطنين المصريين على المساجد والكنائس للمشاركة في هذه الصلاة الجامعة الواحدة، أو في تلاوة وترديد هذا الدعاء، كان شديدًا، حتى وصفته الصحف بأنه شهد جموعًا احتشدت بكثرة غير عادية. وذكرت بعض الصحف أن بعض المواطنين الأقباط لم يجدوا كنائس قريبة فدخلوا المساجد ليشاركوا في الدعاء، كما دخل المسلمون الكنائس القريبة من أماكن وجودهم حينما لم يجدوا مساجد قريبة. فالوطن والدعاء له جعل لهم من أرض "مصر" مسجدًا أو كنيسة يصلون في أي منها صلاتهم الواحدة المشتركة".

ياليتنا نفهم تاريخنا وتجانس شعبنا وانسجامه التركيبي، حتى نكون كما قال "محمد" صلى الله عليه وسلم: "المصريون في رباط إلي يوم القيامة". ولا عجب أن ينحني التاريخ على حب وينطوي علي إجلال لأمثال المبدعين الوطنيين؛ "شوقي"، و"سعد زغلول"، و"عبد العزيز فهمي"، فما أنبل! وما أشرف! وما أجل! وما أعظم!




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :