بقلم: عادل جرجس
ما أن قررت الدولة تخصيص كوتة سياسية للمرأة في مجلس الشعب حتى هب الجميع مطالبين معاملة الأقباط بالمثل وتخصيص كوتة سياسية لهم لضمان التمثيل النيابي الحقيقي للأقباط داخل المجلس، وبالطبع فإن هذا لو حدث فسوف يكون خطوة كبيرة نحو حل كثير من مشكلات الأقباط ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل تخصيص كوته للأقباط سوف يحقق منفعة سياسية لهم؟
والحقيقة فإنني أرى أنه لو تم تخصيص كوتة للأقباط في ظل المناخ السياسي السائد لن يضيف جديدًا لقضية الأقباط بل على العكس قد يكون خصمًا من رصيد القضية وذلك للعديد من العوامل التي سوف أحاول إجمالها فيما يلي:

- إن حقوق الأقباط تختلف عن حقوق المرأة، فقد يكون القاسم المشترك الأعظم بين القضيتين هو التهميش السياسي ولكن حقوق المرأة في مجملها حقوق اجتماعية والتمييز ضد المرأة هو تمييز فسيولوجي لاختلاف الجنس داخل مجتمع ذكوري، وحصول المرأة على بعض المكاسب السياسية يستفيد منه المجتمع ولا يلزم لذلك سوى سن بعض القوانين المعروفة والمتفق عليها من الجميع ككل. بينما حقوق الأقباط وإن كان فيها جانب اجتماعي إلا أنها في معظمها حقوق سياسية تصطدم بهيكلة الدولة وهويتها الدستورية بما فيها من عوار دستوري وقانوني ومن ثم يلزم إعادة النظر في التركيبة التشريعية للدولة وهو ما سوف تعارضه بعض التيارات السياسية وخاصة الدينية والخلاصة هنا هو ما فائدة التمثيل النيابي في ظل تشريع لا يسمح بتفعيل ذلك التمثيل؟

- الكوتة سواء كانت للمرأة أو للأقباط هي من منطلق زر الرماد في العيون لأن اتخاذ القرارات داخل المجلس يتم بموافقة الأغلبية ولن تكون المرأة أو الأقباط في يوم من الأيام أغلبية داخل المجلس، الأمر الأكثر أهمية في هذا الصدد هو أنة وبشكل تلقائي سوف يتم تفريغ هذه الكوتة من محتواها وتقزيم دورها السياسي لأنها سوف تكون غنيمة سياسية لكل التيارات والأحزاب التي سوف تحاول الحصول على أكبر قدر من تلك الغنيمة لتعظيم كتلتها السياسية داخل المجلس ومن ثم سوف يكون ولاء تلك الكوتة السياسي متنوع ومختلط يهدف إلى تحقيق مصالح حزبية لن يحقق أي مصالح سواء للمرأة أو للأقباط.

-يمكن- وهو الأمر الغير مؤكد أن تتكون من كوتة المرأة كتلة برلمانية داخل مجلس الشعب والسبب في هذا هو أن هناك كيانًا قويًا ومنظم يدفع وراء هذه الكوتة وهو المجلس القومي للمرأة والذي تقف على رأس تنظيمه سيدة قوية وفاضلة ومخلصة لقضيتها ألا وهي السفيرة الوزيرة مشيرة خطاب وهو الأمر الذي ينتفي بالنسبة لكوته الأقباط فلا يوجد كيان سياسي يمكن له أن يدفع وراء تلك الكوتة وتحويلها إلى كتلة برلمانية والقول بأن الكنيسة هي الكيان الذي يمكن له أن يلعب هذا الدور هو قول مرفوض لأن هذا سوف يعيدنا إلى تحكم النص الديني في التشريع فنكون قد وقعنا بين شقي الرحىَ حيث تتسع دائرة المرجعية الدستورية الدينية ما بين مسيحية وإسلامية ليتم إجهاض ما تبقى من مشروع الدولة المدنية الذي تسعى إليه كل القوى الوطنية المعتدلة والمخلصة.

إن تخصيص كوتة سياسية في ظل مناخ سياسي متهرئ ومحتقن يلقى بظلاله الوخيمة على المجتمع ككل لأننا نكون قد وضعنا العربة أما الحصان فما فائدة وجود تمثيل نيابي لفئة من الشعب في ظل عدم وجود مردود شعبي لهذا التمثيل ففي ظل التدين المستمر للشارع المصري لن يقبل هذا الشارع وهو المحك الرئيسي لكل التجارب السياسية بقبول أي حقوق للمرأة تخرج بها من عالم الجواري، كما أنه مرفوض مساواة الذميين بالمؤمنين، وفي ظل القتام السياسي والمجتمعي تبدو من بعيد بارقة أمل أجد أنه من المفيد الالتفاف حولها وهي الدعوة العاجلة التي وجهها الدكتور أحمد كمال أبو المجدة لرئيس الجمهورية لتكوين مجلس لإنقاذ الوطن لأن الأمة أصبحت في خطر ويلخص أبو المجد مناطق الخطر بقوله:
"الشعب المصري في منزلة بين الشك واليقين، هو في مرحلة الشك والشكوى الشك في كل شيء والشكوى من كل شيء.. بين المشارك والعصيان.. بين الشيء ونقيضه، لكنه لا يفعل شيئًا كبيرًا حتى الآن ليحدد موقفه، مرحلة الشك والشكوى شك في كل الأحوال وافتراض نظرية المؤامرة وراء كل موقف والشكوى فيما يستحق وما لا يستحق.. الشكوى بحق ودون حق.

إن مناطق الخلل ثلاث:
أولها: زيادة فجوة الثقة بين الحكام وبين الشعب، والسبب الثاني: أن الشعب المصري حصلت له تغيرات في المزاج مصحوبة بشيء إيجابي وآخر سلبي، الإيجابي هو إدراكه أننا نحتاج إلى تغيير في مجالات كثيرة، تغيير أفراد وسياسات، لأننا بالتدريج في الخمسين سنة الأخيرة حولت الدولة كثيرًا من الناس إلى متفرجين في مدرجات الملعب.
السبب الثالث: أنه في العلاقة بين الحكام والمحكومين بقايا حاجتين تقدر تدخلهم تحت كلمة الفساد بمعناه الكبير وهما الخوف أحيانًَا والطمع أحيانا وإذا غابت سيادة القانون.. سينتشر الفساد." انتهى الاقتباس ... تُرىَ هل ستجد دعوة أبو المجد صدى لدى الرئيس؟؟ أتمنى... لأنه يجب علينا أن نتوقف عن سلك مسلك ديمقراطية التفويض فالإصلاح السياسي يجب ألا يكون إصلاح هيكلي وفقط ولكنه يجب أن ينبع من إرادة شعبية حتى لا يكون شكلاً بدون مضمون.