كتب - ايهاب رشدى
تحت عنوان " وظائف للجادين " نشرت إحدى المجلات الكنسية ، إعلاناً لشركة ما تتوافر لديها وظائف شاغرة .. وتشترط مؤهلات معينة لكل وظيفة . إلى هنا والأمر يبدو عادياً جداً . ولكن المزعج فى الاعلان والذى لا لم أستطع ان أبلعه ان الشركة تضع شرطا فى المتقدم للوظيفة ، أن يحضر معه جواب من أب الاعتراف . ماذا يعنى هذا ؟ يعنى ببساطة ان الشركة تشترط فى من سوف يعمل لديها أن يكون مسيحى الديانة ، ومن الطائفة الارثوذكسية بالتحديد لأنه من الممكن ان يكون مسيحياً ولكن من طائفة لا تؤمن بالاعتراف وبالاسرار الكنسية .
و تساءلت بينى وبين نفسى . هل يريد صاحب الشركة أن يختار عريسا لابنته ، لذا فهو يريد أن يتأكد أنه من نفس الديانة ومن نفس الطائفة وأنه على خُلق بشهادة اب الاعتراف ، أو لعله يبحث عن شخص مؤهل ليقوم بخدمة ما فى احدى الكنائس .. بالطبع لا . فالاعلان واضح فى عنوانه ، فهو يريد أفراداً للعمل بشركته ليس إلا .
إليس هذا نوعاً من التمييز وربما العنصرية التى كثيراً ما نشكو منها نحن المسيحيون فى تعاملاتنا داخل المجتمع المصرى . ألم يطالب كثير من المسيحيين بمقاطعة التعامل مع سلسلة مطاعم شهيرة لأنها لا توظف مسيحيين ، و حدث نفس الشئ مع سلسلة محلات ملابس مشهورة نشرت إعلانا عن حاجتها لتوظيف كذا وكذا وفى نهاية الاعلان جاءت هذه العبارة " يشترط حفظ جزءاً واحداً من القرآن الكريم "
والمصيبة أن المجلة الكنسية التى نشرت هذا الاعلان لا تكتفى بنشر اعلانات تجارية للاقباط فقط ولكنها فى كثير من الاحيان تقوم بنشر اعلانات تجارية أصحابها من المسلمين . فماذا لو قرأ هذا الاعلان أحد اخواتنا المسلمين . أليس من حقه على الفور أن يتهم المجلة وناشر الاعلان بالعنصرية .
لماذا نكيل بمكيالين ؟؟ ألم يعلمنا مسيحنا : " كل ما تريدون ان يفعل الناس بكم افعلوا هكذا انتم ايضا بهم " فلماذا نلوم على البعض عنصريته ولا ننظر إلى الخشبة التى فى أعيننا .
وبنفس المنطق ، يغضب المسيحيون كثيراً حينما يقول بعض المسلمين أن غير المسلم لا تجوز عليه الرحمة ، وقد تابعت منذ سنوات حينما توفى المخرج الكبير يوسف شاهين تعليقات القراء عنه على الفيس بوك ، فرأيت الكثيرين مصدومين لأنهم عرفوا لأول مرة أنه مسيحى وقال البعض منهم " ما ينفعش أقول الله يرحمه لأنه كان مسيحى " ، وانزعجت جداً من هذا الكلام ، ولكننى اكتشفت بعد قليل من التفكير ان كثير من المسيحيين يرددون نفس الكلام . فالمسيحى يؤمن أن من لا ينال سر المعمودية ( وهو أحد الأسرار التى تؤمن بها الكنيسة الارثوذكسية ) لا يمكن ان يدخل ملكوت الله بعد موته ، بل أنه فى أوشية الراقدين وهى طلبة خاصة من أجل الذين ماتوا وتسميهم الكنيسة الراقدين يصليها الكاهن فى القداس الالهى و يقول بالحرف مخاطباً الله " فانت كصالح ومحب البشر اللهم اغفر لهم عبيدك المسيحيين الارثوذكسيين الذين فى المسكونة كلها " .
أى ان الكاهن يطلب الغفران من الله ليس للمسيحيين فقط . بل بالأخص للمسيحيين الارثوذكسيين .
و السيد المسيح فى مثل السامرى الصالح علمنا أن نرتفع فى تعاملاتنا مع اخوتنا فى البشرية ، فوق الجنس واللون والدين وليس فى هذا تعارضاً مع العقيدة ، وإنما هى وسيلة علمنا الله بها ان نكسب الآخرين ونريهم أعمال المحبة والرحمة .
ويقولون أن المصرى متدين بطبيعته . ولكن المغالاة فى التدين حولتنا إلى عنصريين . هل التدين داخلنا أم خارجنا . هل أُظهر تدينى بالكلام والصور أم بسلوكياتى ، السيد المسيح قال " لكى يرى الناس أعمالكم الحسنة فيمجدوا أباكم الذى فى السموات " وكذلك هناك حديث شريف يقول أن الدين المعاملة ، ولكن الامور فى الشارع المصرى تبدو غير ذلك ، فعندما تمر على سرادق عزاء يمكنك أن تعرف إذا كان المتوفى مسيحياً أم مسلماً من الصور والايات المنقوشة على قماش السرادق . فالمسيحيون يضعون صور القديسين والمسلمون يضعون آيات قرآنية .
وفى كثير من المنازل وخاصة فى الاحياء الشعبية يمكنك أن تميز بين شقق المسلمين والمسيحيين ، فالاولى تجد مقبض الباب عليه عبارة " الله أكبر " ، والثانية تجد عليها عبارة " الله محبة " والبعض يعلق صورا دينية على الباب أو على الحائط المواجه للباب لمعرفة هويته الدينية .
عندما كنت فى روما والتى يتواجد بها الفاتيكان عاصمة الكاثوليكية فى العالم . كان يستوقفنى فى الشارع بعض الشباب من جماعة " شهود يهوه " يحملون بعض النشرات عن معتقداتهم ويدعونك لزيارة مكان العبادة الخاص بهم . ولم يحدث أن الفاتيكان قد أستجوبهم أو رفع عليهم قضايا لأنهم يختلفون معه فى العقيدة . ولم يحدث أن خاف الفاتيكان أو رآهم يشكلون خطراً على الكاثوليكية ، رغم أن الكاثوليك يمثلون الاغلبية فى ايطاليا . ولكن ليس من حق الاغلبية أن تفرض رأيها على الاقليات بحجة أنها الأصح . فكل يرى ان هويته الدينية هى الأصح وهى التى ستوصله إلى السماء . ولكن عندما تتعالى على الآخرين بحجة انك تملك الصواب وحدك وتريد أن تسيرهم وتصيرهم مثلك ، فهنا الخطر ، وقد انتقد السيد المسيح هذا بل ورفضه حينما وجه حديثه فى مثل العشار و الفريسى لقوم واثقين من أنفسهم أنهم أبرار ويحتقرون الآخرين .
فليس من حق المسلم والذى يمثل الأغلبية فى مصر أن يتعالى على المسيحى بحجة أنه الاصلح وليس من حق الارثوذكسى الذى يمثل الاغلبية المسيحية فى مصر أن يتعالى على الاخر الغير أرثوذكسى ويظن أنه الأفضل منه .