فنانات خلعن الحجاب
مقالات مختارة | عادل نعمان
السبت ٩ فبراير ٢٠١٩
قلنا مراراً، وقال غيرنا، إن الحجاب ليس فريضة إسلامية، وليس أمراً إلهياً، بل دعوة سياسية، واجتهاد بشرى يقبل الصواب كما يقبل الخطأ، وهو كما قلنا شكل ومظهر دينى يصر عليه أصحاب الإسلام السياسى، ويتمسكون به، وفى هذا يرفعونه إلى مقام التشريع، ويدفعون فيه الكثير، ويدافعون عنه باستماتة، حتى يصبغوا الشارع بصبغة دينية، ويعلنوا على الملأ أن الشارع والبيت والمدرسة والجامعة والمعاهد العلمية والمصالح الحكومية فى قبضتنا وتحت سيطرتنا وسطوتنا، نطويه فى ركابنا إلى الأحزاب السياسية أو إلى المجالس النيابية والتشريعية أو إلى القصور الرئاسية، مطيعاً وخاضعاً ومستسلماً بل ومقاتلاً جسوراً يذود عنه حتى يُقتل دونه، ولم يكن شاغلهم فى كل هذا أن تكون الأخلاق والقيم والمثل هى السائدة والغالبة والطاغية فى تصرفات الناس، أو عنواناً ينتسب إليه الجميع، ويلقى على سلوك الناس غطاءه ورداءه، سواء فى الشارع أو فى البيت أو فى المدرسة أو الجامعة أو فى المصلحة الحكومية، وكان المهم هو الحجاب فقط حتى لو كان بلا صلاة، أو تكون الصلاة بلا عمل، أو يكون الحج هدية أو عمولة، أو تكون اللحية المخضبة بالحناء معها قليل من الكذب، أو الجلباب القصير الذى لا يلمس الكعبين جيوبه مفتوحة تقبل ما دون الحلال بكثير، كل هذا مباح ومسموح به إلا الحجاب، فهو من المقدسات لا مساس به، وحائط مبكى لكل النساء، تبكى من تحجبت على حوائطه ندماً على ما فات، والسافرات ندماً على عصيانه والتفريط فى حق ما هو آت. وحتى تكون الحكاية محبوكة ومفبركة وتدخل عقول الناس، خصوصاً البسطاء منهم، فلا بد من استقطاب الفنانات الفاتنات الجميلات، ذوات الشعر الأصفر، فنخفيه ونداريه ونحجبه عن عيون الناس، حتى لو ظهر منه خصلة أو خصلتان باللون الأصفر أو الأحمر، وتعلن الفنانة الفاتنة التوبة النصوح، وتحمد الله على نجاتها قبل فوات الأوان، ونجاحها فى الوصول إلى طريق الهداية والخلاص، ويرفعن جميعاً الأيادى حامدات شاكرات فضل أصحاب الفضل من الممولين الصالحين، تائبات قانتات عائدات من جحيم الدنيا إلى عز الحجاب وعفته، فيكون العود أحمد وأفضل، فتثبت المحجبة على حجابها وتزداد يقيناً، وتدافع عنه، وترتوى بمياهه النقية الطاهرة، وتروى لنا عن فضله وجوده وكرمه، ومعجزاته وتسهيلاته وبركاته وآياته، وتسارع إليه الكاشفة السافرة حماية وعفة وأمناً وحفظاً وستراً ونجاة من عذاب يوم القيامة، وتروى لنا عن نجدته وسترته ونصرته وبيّناته وبرهانه وحجته، حتى اختفت النساء السافرات من شوارعنا ومصالحنا ومدارسنا ومعاهدنا، وسادنا اللون الواحد، وتسيّد علينا الحجم الواحد، وكان للفنانات الفاتنات الفضل الأكبر فى ارتداء بناتنا الحجاب، وانتشرت موضة الندوات فى بيوتهن مع الدعاة الجدد، أصحاب الماركات العالمية واللحية المهذبة والساعات الذهبية والسيارات الفارهة والصفقات المالية الضخمة والقنوات الفضائية. وفى نهاية الندوة والدعوة يجلس الجميع على مائدة العشاء لتناول الكافيار والمحمر والمشمر والحمام والبط، وفى الصباح يساومون الفقراء والبسطاء على فضل الفقر، ودرجة المساكين فى الجنة، ويدعون للصبر من كان بلا امرأة تؤنس فراشه وتقضى حاجته، ويدعونه للصوم نجاة له من الضياع وارتكاب المعاصى.
عادت الفنانات من رحلة البحث والتحرى والاستكشاف، للخلف دُر، بعد سنين من النعيم والفضل والكرم، وحصلن على صك العتق والبراءة، يلحقن بقطار التنوير، الذى كان يوماً من المغضوب عليهم والضالين، وعدن إلى الحقيقة الثابتة، يعلنّ عن كشفهن الجديد للبنات الجدد، فلا وصاية لدين على الزى والملبس والمظهر، ويظل الزى سلوكاً اجتماعياً مرهوناً بالبيئة والزمن والجغرافيا (وقد كانوا يوماً يكفّرون قائله)، ولا سفور يصد ويمنع، ولا حجاب يزكى ويرفع ويشفع، ولا فضل لنقاب إلا بالتقوى، والتقوى محلها القلب يصدقها العمل المخلص الشريف الأمين النزيه العفيف، لا شىء يرفع الإنسان ويُعلى قدره ومكانته سوى الإخلاص فى العمل ورفع المعاناة عن الناس وحل مشاكلهم ورفع العبء عن كاهلهم، عندها ترى الله قريباً منك، فى حضرته وتحت لوائه، يبارك عملك وإخلاصك «وقد بح صوتنا لهن وكنّ لا يسمعن ولا يفقهن حديثنا». هل نكتفى بقبول عودة هؤلاء الفنانات إلى حظيرة العقل دون سؤال لماذا عدن؟ وماذا اكتشفن فى رحلة البحث والتنقيب والفرز؟ وما هى حقيقة الدعوة إلى الحجاب وأسرارها ومفاتنها وإغراءاتها ومكافآتها؟ وكيف كانت حياتهن السابقة وما هو مصدر التمويل والعيش الكريم الذى كنّ فيه؟ وما هى حقيقة هذه الندوات والدعوات ومصادر الإنفاق وأسماء هؤلاء الدعاة الجدد، ومن هو صاحب الفضل والكرم والجود على كل هؤلاء؟ أم نحاسبهن على سنوات التضليل والتزوير؟ عدن بطلات وتركن الضحايا فى سجون الماضى، استطعن الركوب والعودة فى نهاية العمر وأرذله وتركن الصبايا هناك بلا عودة وبلا طريق، لا بد من كشف أسرار هذه الحقبة وهذا الانقلاب حتى نكشف المستور، ونعرف الحقيقة، ويعرفها الناس جميعاً، السافرات والمحجبات وأصحاب الإسلام السياسى. العود هنا ليس أحمد دون معرفة الحقيقة، وأين هؤلاء المحجبات المسافرات اللائى ذهبن معهن بلا عودة؟
نقلا عن الوطن