محمد محيي يكتب.. من هم الأقباط ؟
مقالات مختارة | محمد محى
٥٢:
٠٢
م +02:00 EET
السبت ٩ فبراير ٢٠١٩
بقلم : محمد محي
((( الأقباط ))))
تلك اللفظة المتداولة فى مجتمعنا الآن والتى يشار بها - على الأرجح- لمسيحى مصر
فقط دونا عن بقية الشعب المصرى .. ولكن ماهو أصل تلك التسمية ؟ وما هو تفسيرها ؟ وكيف تسنى أن يكون هناك لغة تسمى بالقبطية ؟
فى العصور المصرية القديمة كان المصرى القديم يطلق على لغته "نتر مدو" وتعنى (كلام الإله) او "را ان كمت" ( لسان / كلام مصر) .. تلك اللغة التى لم يتغير منطوقها وتغيرت اشكال كتاباتها فى خطوط كتابية متنوعة .. فعلى سبيل المثال فإن الهيروغليفية ليست لغة ولكنها خط كتابى لل " نتر مدو" وهو الخط الذى كانت علاماته ترسم كاملة كالتى نراها على المعابد والمقابر , ومن ثم مع الحاجة إلى التبسيط ظهر خطان آخران وهما " الهيراطيقى" و"الديموطيقى" وذلك لحاجة المصرى القديم فى تبسيط كتابة ال "نتر مدو" للتوافق مع استخدامات حياته اليومية مثل التعاملات بين الافراد مثلا وذلك مع وجود طريقة نطق واحدة للخطوط الثلاث
- مثال : اللغة العربية ذات منطوق واحد وقواعد نحوية واحدة ولكن خطوطها متعددة ..
وظلت هذه الخطوط الكتابية مستخدمة حتى دخول الإسكندر الأكبر وحلول عصر البطالمة .. من هنا بدأت نقلة نوعية حيث أن المصرى القديم واجه غازيا يونانيا لا بد من فتح قنوات اتصال معه لذلك قام المصرى القديم بإبتكار خطا كتابيا إضافيا يعبر عن اللغة المصرية القديمة ويكتب بحروف يونانية وأضاف اليها سبع علامات مأخوذة من الديموطيقية ..
أى أن المصرى القديم فعل ما يشبه فى عصرنا الحالى ما يسمى بال "فرانكو اراب" حيث يكتبون العربية بحروف انجليزية ويستبدلوا الحروف الفريدة مثل "حاء" "خاء" " غ" الخ بأرقام تمثلها ..
خلاصة القول أن القبطية كانت خط كتابى لمنطوق اللغة المصرية القديمة "نتر مدو" وسبب إستعمال هذا الخط هو تسهيل التفاهم مع اليونانيين الغزاة ..
من ثم أصبح الخط "القبطى" هو الشعبى المعتمد فى البلاد فى تلك الفترة .. ومع غروب شمس الاغريق وبزوغ شمس الرومان وتحول مصر لولاية تابعة للإمبراطورية الرومانية لم يتوقف تقليد إستخدام القبطية ..
وهنا حدثت حادثة تاريخية غيرت العالم وهى ظهور المسيح عيسى عليه السلام ومن ثم التبشير بالدين الجديد وهو المسيحية . فى البداية دخل بعض المصريون المسيحية على استحياء ومن ثم لاقت انتشارا واسعا مع تحول الإمبراطورية الرومانية بأكملها إلى المسيحية مع اعلان للامبراطور "جستنيان / قسطنطين" الاكبر تركه الوثنية واعتناقه المسيحية ..
هنا كانت نقطة فارقة فى تاريخ مصر حيث تحول قطاع لا بأس منه من المصريين إلى المسيحية مع ظهور الأديرة والرهبان وحركات التبشير المسيحية فى ارجاء مصر
ولكن حتى هذا لم يكن نهاية إستعمال اللغة المصرية القديمة بجميع خطوطها فيذكر لنا التاريخ على سبيل المثال فى تلك الفترة إقامة الشعائر فى معبد ايزيس فى فيلة وبجواره على نفس الجزيرة تقام الشعائر فى دير مسيحى ..
ظل هذا الوضع مستمرا إلى ان مارس الرومان الضغوط تلو الأخرى كعادتهم فى اضهاد الشعوب سواء قبل او بعد اعتناقهم المسيحية فعلى سبيل المثال لا تزال قرية تحمل اسم " نجع كوم الكفار" وهذا الاسم كان من اطلاق الامبراطور ماكسيميليان شخصيا بعدما رفض اهل تلك القرية دخول المسيحية ومن ثم التصق الاسم بهم والى الابد رغم تغيير الاسم رسميا فى ٢٠١١ الى " نجع كوم المؤمنين"
خلاصة القول انه وفى هذه العصور تم إغلاق المعابد تماما ومن ثم انزوت العقيدة المصرية فى النسيان ومعها انزوت الخطوط المصرية القديمة التى كانت تستعمل فى الأغراض الدينية مثل "الهيروغليفية والهيراطيقية" وحلت القبطية محل الديموطيقية .. اذن ما حدث أن المنطوق بقى وإندثرت الحضارة والعقيدة ومعها خطان وهما الهيروغليفية والديموطيقية ..
وتبقى الخط القبطى ليصبح الخط الذى دون به المصرى القديم الذى تحول إلى المسيحية طقوسه دينه الجديد .وهو ما ربط المسيحيين باللغة القبطية حتى عصرنا الحالى .
جدير بالذكر انه فى العصور الرومانية كانت نسبة الأمية نتاج إحتلال الرومان مرعبة فقد تجاوزت 80 % من مجموع الشعب المصرى وغرقت مصر فى ظلام دامس بسبب الإحتلال الرومانى ويذكر لنا التاريخ ايضا ظهور فن مسيحى مهم وهو فن الايقونات وهى لوحات صغيرة مرسومة لتوصل رسالة معينة او آية من الكتاب المقدس كوسيلة تواصل دينية لان الشعب فى معظمه لم يكن يعرف القراءة ولا الكتابة.
أما بقية القصة فهى معروفة فقد إستمر الوضع راكدا بلا حراك حتى دخل العرب المسلمون مصر ومن ثم تحولت اللغة بأكملها إلى العربية وهو وضع طبيعى كاد أن يحدث مع دخول الاغريق لولا إبتكار المصريين للخط القبطى .. ولكن ما حدث هذه المرة أن اللغة بمنطوقها انزوت فى مناطق معينة من ارض مصر والتى لا تزال موجودة حتى الآن على سبيل المثال فى قرية "الزينية" التابعة لمحافظة الأقصر والتى لا يزال اهلها يتحدثون اللغة المصرية القديمة حتى الآن .. أما مكتوبها فإنحصر فى فئة قليلة حتى إندثر هو الآخر واقتصر على النصوص المسيحية الدينية وهى ما وصلت لنا فى العصر الحالى .. وقرية الزينية كآخر معقل للنتر مدو هى ومناطق اخرى قليلة جدا بعد الاف السنين المتواصلة من الحديث بها وتبقى حتذى هذا المنطوق الذى يبعد كثيرا عن المنطوق المصرى القديم لدخول لهجات إليه ولكنه فى النهاية لا يزال يعبر عن القضية وبشدة .
أما كلمة "قبطى" فهى مشتقة من الكلمة اليونانية "إيجوبتى" وتعنى "مصرى" فى إشارة إلى المواطن الذى عاش على أرض مصر .. وهى الكلمة التى لربما مشتقة من كلمة "آجبى" وهو التل الأزلى الذى نشأ منه الكون فى المعتقد المصرى القديم .. او من "حت كا بتاح" وهو احد اسماء منف قديما وتعنى " مقر قرين بتاح" .. أما قديما فقد عرف المصرى القديم منذ قديم الزمان بلاده بالعديد من الأسماء فأطلق عليها "كمت" أى الأرض السوداء أو الخصبة إشارة الى وادى النيل الخصب ولون الطمى الذى يخلفه الفيضان.
"دشرت" أى الأرض الحمراء أو الصحراوية وذلك فى إشارة الى المساحة الصحراوية الاكبر من ألارض.
"تا محو" أرض الشمال .. إشارة الى الدلتا ..
"تا شمعو " أرض الجنوب .. إشارة الى صعيد مصر ..
"تا وى" وتعنى الأرضين فى إشارة الى الشمال والجنوب من أرض مصر وتوحيدهما ..
"إيدبوى" وتعنى الضفتان فى إشارة الى شرق وغرب ضفتى النيل .. وقد قسم المصرى القديم الشرق الى مدن للأحياء والغرب الذى كان مملكة للموتى ..
"تا مرى" ... أرض الغرين .. تعبيرا عن أرض الخير الخصبة ..
إلا أن الإسم الى كان يحتل وجدان وعقل وقلب المصرى القديم كان هو "كمت" فكانت "كمت" هى أغلى البلاد وىمن المصرى القديم أنها كانت هدية الإله للمصريين الذى أعطاهم اجمل مكان فى العالم ليعيشوا به ... هكذا رآها المصرى القديم ...
أى أن الإتجاه الذى يقول بأن مصر هو ايجيبت وشعبها هم الجتيون فهو خطأ ولا دليل عليه وكذلك كلمة "قبطى" تعنى مصرى سواء كان مسلما أم مسيحيا .. القبطية ليست لغة بل هى خط كتابى ومنطوقها هو اللغة المصرية القديمة "نتر مدو" .. وهذا المنطوق هو ما ساعدنا فى الأصل على معرفة نطق اللغة المصرية القديمة الصحيح ..
إذن فمن الخطأ إطلاق كلمة أقباط على مسيحيو مصر فقط دونا عن بقية الشعب المصرى فكما أشرت إلى ان الكلمة تشمل جميع المصريين وليس فئة معينة بعينها .. هذا الإستخدام حتى يشوبه شائبة فصل فئة مصرية عن بقية النسيج المصرى الواحد طوال تاريخه المجيد .. كذلك الدعوات التى تقول بأن أصل مصر الباقى يقتصر على المسيحية فقط أو على الإسلام فقط فهو إفتراض خاطىء عنصرى ايضا حيث أنه لا يمكن نسب بلد بأكملها إلى اصل دينى معين وإذا كان الأمر هكذا فالأحق بهذا القول هم اليهود فاليهودية أقدم ف مصر من الاسلام والمسيحية!!
ولكن حتى هذا غير صحيح ايضا فلا الإسلام ولا المسيحية ولا اليهودية نشاوا فى مصر بل أنهم وردوا إلينا من بلاد أخرى ونحن كمصريين إن لم ننل شرف هبوط تلك الرسالات السماوية على ارضنا فنحن نتشرف بكوننا محتضنين لتلك الرسالات ..والأصول الأولى فى هذا الموضوع هى الفيصل .. فالمصريون جميعا أقباط بمسلميهم ومسيحييهم وحتى يهودهم ..
لذلك فالخلاصة أن من يقول أو يعتقد بان كلمة قبطى تعنى مسيحى ويروج لها بإعتبار أن المسيحية أو المسيحيين هم فقط إمتداد الحضارة المصرية القديمة أو يروج لذلك نقول له :عيب ! هذا تزوير تاريخى صريح .
هذا المقال ليس غرضه دينى أو سياسى أو لإيصال وجهة نظر تعلى من شان معتقد على الآخر او تمجد فى طرف على حساب الآخر ولكناه كلمة حق لتصحيح مفهوم مغلوط شائع يفرق أبناء وطن واحد.
أختم هذا المقال بمقطع من تأليف المبدع "بديع خيرى" وغناء إبن النيل " سيد درويش" فى الرائعة الخالدة (قوم يا مصرى) عندما قال ..
((إيه نصارى ومسلمين قال ايه ويهود , دى العبارة نسل واحد مالجدود))
وللحديث بقية