الأقباط متحدون - زوبين مهتا: لو أن نتنياهو يأتي إلى الحفلات الموسيقية لتغيّر.. لكنه لا يأتي
  • ١٦:١٩
  • الجمعة , ١٦ سبتمبر ٢٠١١
English version

زوبين مهتا: لو أن نتنياهو يأتي إلى الحفلات الموسيقية لتغيّر.. لكنه لا يأتي

ثقافة و أدب | الشرق الأوسط

٣٢: ٠٨ م +02:00 EET

الجمعة ١٦ سبتمبر ٢٠١١

المايسترو العالمي الهندي الأصل زوبين مهتا كان في لندن الأسبوع الماضي. هو فارسي زرادشتي هندي. يقول: «نحن في الهند منذ ألف سنة، أسماؤنا الأولى كلها فارسية وأسماء عائلاتنا كلها هندية».

معنى اسمه زوبين: السيف. والده مهلي مهتا كان أول قائد لأوركسترا بومباي السيمفونية، سمح له وكان في السادسة عشرة من العمر أن يقود أوركسترا بومباي أثناء البروفات. قبل أسبوعين تم تكريمه بنجمة مذهبة على بلاط ممشى المشاهير في هوليوود احتفاء بمرور خمسين سنة على عمله في الموسيقى الكلاسيكية.

من عام 1962 حتى عام 1978 كان المدير الموسيقي للفرقة الفيلهارمونية للوس أنجليس، وعام 1978 صار المدير الموسيقي والقائد الرئيسي لفرقة نيويورك الفيلهارمونية إلى أن استقال عام 1991. وفي الأعوام 1990، 1995، 1998، 2007 قاد حفل رأس السنة في فيينا الذي تنفد بطاقاته قبل عشرين سنة من موعده! صداقته مع عازف البيانو دانيال باريمبويم، قائد فرقة «الميادين»، التي تجمع في صفوفها موسيقيين فلسطينيين وعربا وإسرائيليين، ويحمل جواز سفر فلسطينيا، حملته إلى إسرائيل، ليصبح عام 1981 المدير الموسيقي مدى الحياة للفرقة الفيلهارمونية الإسرائيلية.

ظهر الخميس الماضي كان لقائي معه. في اللقاء عبّر عن تعاطفه العميق مع غضب الفلسطينيين الذين «يعيشون تحت الاحتلال»، وشن هجوما على سياسة بناء المستوطنات التي تعتمدها إسرائيل، وروى زياراته لرام الله، والناصرة، ومدينة شوارام، حيث لديه طلاب فلسطينيون يعلمهم الموسيقى الكلاسيكية.

 

وهنا نص الحوار:

* أخبرني عن مؤسستك في بومباي (مهلى مهتا للموسيقى)، حيث تبحث عن أطفال في الهند تشدهم إلى الموسيقى الكلاسيكية. فهل وجدت أطفالا موهوبين، خصوصا أن الهند غنية جدا بموسيقاها؟

- المؤسسة على اسم أبي. نعم، إن الموسيقى الهندية تتقدم على كل شيء آخر، لكنْ هناك حب في المدن الكبيرة للموسيقى الغربية الكلاسيكية. وهناك مواهب، وعادة ما يرسل الأهل أطفالهم الموهوبين إلى أوروبا أو أميركا، الآن مع المؤسسة ومع أساتذة موسيقى أرسلهم من الخارج أحيانا، وعندما أكون في بومباي أزور المؤسسة، لدينا قائمة انتظار من أكثر من 200 طالب يتشوقون لدراسة الموسيقى الكلاسيكية، لأنه عليهم الحصول على الآلات، ففي الهند يجب أن تبدأ من الصفر.

* لديك مشروع جديد لتعليم العرب الإسرائيليين الموسيقى، في مدن مثل الناصرة. ما هذا المشروع، وهل تتطلع لبناء جسر سلام بين الأجيال الجديدة من العرب والإسرائيليين عبر الموسيقى؟

- السلام سيأتي، علينا فقط بالصبر. كل شيء في الشرق الأوسط، منذ أيام الكتب المقدسة، يأخذ وقتا طويلا. الوقت في الشرق الأوسط يختلف. أنا مقتنع بأن أحقق حلمي وأن ينضم إلى الأوركسترا عرب إسرائيليون كمحترفين، وألاحظ أن تقدمهم لافت. أتمنى لو تأتين عندما أذهب مرتين في السنة إلى شوارام، مدينة فلسطينية. كلهم متعطشون إلى الموسيقى، الأطفال يستقبلونني بالموسيقى العربية، وهؤلاء درسوا الموسيقى العربية ويريدون أن يدرسوا الموسيقى الغربية، ولو يمكنك رؤية عيون الأهل والراحة كوننا نأتي إليهم بهذه الإمكانية.

عندي مدرسة في جامعة تل أبيب، حيث نعلم طلابا من كل أنحاء العالم، وليس فقط من الإسرائيليين. كيف يعزفون ضمن الأوركسترا، لا نعلمهم العزف المنفرد، وضمن هذه المدرسة لدينا ثمانية طلاب عرب. وأنا متأكد من أنه خلال خمس سنوات سيكون عازفون عرب في الأوركسترا الإسرائيلية.

 

* عام 1936 كانت الأوركسترا الإسرائيلية تدعى الأوركسترا الفلسطينية، هل تعتقد أن يوما ما يمكنك أن تقودها كالأوركسترا الإسرائيلية - الفلسطينية؟

- أولا، أطمح أن أذهب يوما مع الفرقة الإسرائيلية الفيلهارمونية إلى رام الله.

* ألم تذهب بعد إلى هناك؟

- شخصيا ذهبت، لكن ليس مع الأوركسترا. فالإسرائيليون ممنوعون من الذهاب إلى هناك، والعكس صحيح أيضا. لا اتصالات في الواقع، هناك اتصالات سرية، أعرف أن هناك فلسطينيين يأتون ويلتقون شيمعون بيريس، لكن رسميا لا نستطيع. الشعور القائم ليبرالي ويختلف عما يعتقدونه في الخارج. الناس يسمعون فقط عن الراديكاليين، للأسف. وأؤكد لك، إذا سألت متطوعين من الفيلهارمونية الإسرائيلية للذهاب والتدريس في رام الله، فما لا يقل عن 25 سيتقدمون. لكن علينا أن ننتظر، هناك كلمة في العبرية: «سفلانوت» وتعني: الصبر.

* هل تتكلم العبرية؟

- لا، أتقن سبع لغات لكن لم أتعلم العبرية.

* هل ما زلت تتذكر أيامك مع دانيال بارينبويم، وجاكلين دو بريه، وبنحاس زوكرمان، وإسحق بيرلمان؟

- كانوا ولا زالوا عائلتي. أنا وبارينبويم نتحدث كل يومين، هو أخي الثاني. حب الموسيقى يجمعنا وحب واحترام بعضنا لبعض.

* هل تحلم بالعودة إلى تقديم حفلات موسيقية معهم كما في السابق، رغم رحيل جاكلين دو بريه؟

- لا أعرف. ما أعرفه أنني آسف لأننا لم نذهب إلى لبنان في شهر يونيو (حزيران) الماضي. تلقينا رسالة صادقة، قالوا لنا: لا نستطيع أن نضمن سلامتكم. سيأتي يوم ونذهب.

 

* هل تفتقد «التنورز» الثلاثة، وما أكثر ما تتذكره عن لوتشيانو بافاروتي؟

- كان الثلاثة (بلاسيدو دومنغو، جوزيه كاريراس ولوتشاينو بافاروتي) أصدقاء. لم تكن هناك منافسة بينهم، كل أغنية غناها أحدهم كان يمكن للاثنين الآخرين غناؤها، لكن كان الاتفاق بينهم رائعا.

* هل كان من السهل قيادة ثلاثة عمالقة؟

- سهل جدا. كنت أعرف كل واحد منهم، عملت أوبرا مع كل واحد منهم بشكل منفصل. وما زال في برنامجي الكثير من الأعمال مع بلاسيدو.

* لقد كان في لبنان هذه السنة.

- وجاء إلى الهند منذ سنتين لجمع الأموال لمؤسسة والدي الموسيقية. وأحب أن أقول إن الفرقة الفيلهارمونية الإسرائيلية عزفت في الهند ثلاث مرات من دون أجر. أنا لا أعرف كم حفلة موسيقية قدمت في إسرائيل مجانا. ليس كلها، أقبض مبلغا ضئيلا جدا.

* إلى أي مدى يمكن لقائد الأوركسترا أن يغير في القطعة الموسيقية؟

- هذا سؤال مهم جدا. في الواقع نحن خدم للأسياد الذين نفسر أعمالهم. إننا نقرأ أعمالهم، ولكن كل واحد يفسرها ربما بطريقة مختلفة قليلا. إننا ننقل موسيقى تألفت منذ 400 سنة. منذ منتصف القرن السابع عشر بدأت تتكون الأوركسترات. قبل ذلك لم تكن هناك أوركسترا. وحتى اليوم يتغير الأسلوب كل خمسين سنة. هناك مرحلة الباروك، المرحلة الكلاسيكية، المرحلة الرومنطيقية... وعلى قائد الموسيقى أن يشعر بأنه في بيته مع كل أسلوب. من واجبنا، وشرف لنا، أن نأخذ ما تركه لنا هؤلاء الأسياد ونقدمه، لذلك يتغير العمل على يد كل قائد أوركسترا، لكن السرعة لا تتغير كثيرا. ثم هناك موسيقيون في الأوركسترا لهم شخصياتهم، وعندما يقدمون أعمالا انفرادية، علينا نحن كقادة أوركسترا أن نوفر لهم الفرصة للتعبير عن أنفسهم أيضا. وإذا أقنعني العازف المنفرد بأسلوبه فإنني أسمح له بذلك وأرافقه.

* بعض قادة الأوركسترا هم مؤلفون في الوقت نفسه مثل غوستاف ماهلر، ويلهلم فورتوانغلر. عذرا، لا أعرف عما إذا ألفت أنت أي قطعة. فهل فعلت؟

- لا.

 

* هل أنت مستعد لعزف فاغنر في إسرائيل؟

- نعم، وكل الأوركسترا جاهزة، لكن علينا أن نحترم من بقي حيا من الناس الذين يحملون أرقاما على أيديهم. هؤلاء الناس في إسرائيل مميزون وأبطال، وأغلبهم استمع إلى موسيقى فاغنر في مخيمات الإبادة. الموسيقى تحملك في لحظات إلى فترة الرعب. لذلك لا نريد إهانتهم. هذا هو السبب الوحيد. على كل، عام 1981، وبعد حفلة موسيقية عزفت لفاغنر، قلت للحضور: نحن ديمقراطية، يمكننا أن نتكلم بما نشاء وأيضا نستمع إلى ما نشاء. من لم يرِد منكم أن يستمع إلى فاغنر يمكنه المغادرة، الحفلة انتهت، ونحن سنعزف فاغنر. لم يغادر أحد، لكن وقف البعض وقال: لن تلعب فاغنر، فقلت: لا يمكنكم الإملاء علي.

* قلت إن الموسيقى تغير الحياة، لكن هل تستطيع أن تغير الأفكار؟

- يمكنها أن تقرب الناس وتجمعهم.

* ماذا يمكن للموسيقى أن تفعل لبنيامين نتنياهو (رئيس الوزراء الإسرائيلي)؟

- لو أنه يأتي إلى الحفلات الموسيقية لتغيّر. لكنه لا يأتي. آرييل شارون كان دائما يأتي إلى الحفلات الموسيقية، وقد تغير مع الوقت، كان يمكن لشارون أن يجلب السلام إلى إسرائيل، وعبر هذه المقابلة أوجّه الدعوة إلى نتنياهو للمجيء إلى الحفلات الموسيقية، ليسمح لنا أن نلهمه بشيء.

 

* كيف ترى المستقبل في الشرق الأوسط، إسرائيل من جهة، وجيرانها الدول العربية من جهة أخرى؟ هل تعتقد بأنه محكوم عليهم العيش دائما في حرب؟

- لا، إطلاقا. أنا مقتنع بأن شعبين يدعيان بشكل مشروع أنهم أصحاب أرض واحدة يجب أن يتعلموا العيش معا. يجب عليهم ذلك. كيف يفعلون ذلك، وكيف أن الراديكاليين يفرقونهم عن بعضهم، هذا للأسف الواقع اليوم. بصفتي هنديا، كثيرا ما أذهب إلى رام الله، أرى بعض الفلسطينيين أصدقاء لإسرائيل، أرى البعض يعانون من - وسوف أستعمل كلمة - الاحتلال، لأنني أعتقد بأن فلسطين الآن محتلة جزئيا. إيهود باراك أعاد قسما كبيرا. وعلى الرغم من أن بيت لحم، نابلس، ورام الله من دون احتلال، فإنها ليست حرة بالكامل، إنها ما زالت تحت الاحتلال بطرق عدة. هذا نقاش يجب طرحه مع القادة السياسيين.

رئيس بلدية تل أبيب السابق شلومو لحت أقام مشروعا في أحد الشوارع حيث عاش العرب والإسرائيليون جنبا إلى جنب، أنا زرت هؤلاء الناس، وكانوا من أحسن الجيران. قال لي: إذا نجحنا في شارع يمكن أن ننجح في خمسة شوارع... إلخ. الشعبان يمكنهما العيش معا.

 

برأيي إن الفلسطينيين والإسرائيليين من أشطر الناس، وإذا اتحدوا اقتصاديا بدولتين منفصلتين يمكنهما قيادة الشرق الأوسط اقتصاديا. ستكون هناك سوق مشتركة بينهما، ربما لا يحب العرب الآخرون ذلك. الفلسطينيون شعب ذكي جدا، الثقافة مهمة لهم كثيرا. هناك 12 جامعة في غزة، لا أعرف نوعية أدائها، إنما موجودة. الفلسطينيون يريدون أن يتعلموا، وأعتقد أن هذا الجزء لا تشجعه إسرائيل، مسألة أن الأساتذة من كل أنحاء العالم لا يستطيعون السفر إلى فلسطين، أعرف هذا لأن أساتذة من الهند يريدون السفر إلى فلسطينيين لتعليم الفلسطينيين، لكن إسرائيل لا تسمح لهم.

لذلك، على إسرائيل أن تفعل كل شيء لتساعد على تعليم الفلسطينيين، لكنها لا تسمح للأساتذة بالمجيء. هذا يسري على التطبيب أيضا. أحد أعز أصدقائي، صاحب أكبر مصنع أدوية في الهند، هو مسلم، يريد أن يرسل أدوية مجانية إلى الفلسطينيين، وجد الأمر صعبا جدا.

هذه الأمور يجب على إسرائيل أن تكون متهاونة ومشجعة لها. الثقافة، كلما أراد الفلسطينيون المزيد من الثقافة، أرادوا السلام. توفير القليل لهم يزيد من غضبهم. أنا أرى في عيونهم، عندما أذهب إلى رام الله، الغضب، ولا أحب ذلك.

 

* قلت إنك تحب أن تقدم عملا موسيقيا في القاهرة.

- نعم.

* هل ترى هذا ممكنا الآن بعد مرحلة الرئيس السابق حسني مبارك؟

- لا، هذا صعب جدا. لكن ما الفرق الآن؟ فعام 1978 طلبت من مناحم بيغن (رئيس الوزراء آنذاك) أن يسمح لنا بالذهاب لتقديم حفلة، لكنه رفض. كان قد وقع اتفاقية السلام مع مصر، وأنا متأكد من أن الرئيس الراحل أنور السادات كان سيرحب بنا. شعرت أن بيغن غير مهتم، فتحدثت مع آخرين مثل بيغال الون، لكنهم لم يسمحوا لنا. كان علينا أن نذهب عام 1978 كتحية. كان يجب إقامة علاقات ثقافية بين أساتذة. كل هذه الأمور لم تتوفر، كانت تنقص اتفاقية السلام. ركزوا فقط على الجانب السياسي، وعلى المستوطنات.

* هل أنت ضد المستوطنات؟

- نعم.

* لماذا؟

- أولا، لأنهم يقيمونها على أرض ليست أرضهم. كل مرة ارتفع حائط لبناء مستوطنة زاد الغضب لدى الطرف الثاني. لماذا؟ لماذا يريدون إطالة هذا الوضع بدل كبحه؟ المستوطنات الكبرى القديمة تحولت إلى مدن ولا يمكن إزالتها، ومن الغباء التفكير بأنه يمكن إزالتها. لكن يجب أن يكون هناك تبادل. هذا ليس عملي، إنه عمل الخبراء. لكن لماذا بناء المزيد وهم يعرفون أن كل شقة في المستوطنات الجديدة تسبب غضبا لدى الطرف الآخر؟ لماذا؟

أحب أن أقول لك إن الاستمرار في هذا الطريق يعني أن إسرائيل تعزل نفسها في العالم، والأصدقاء القليلون الذين لديها في أميركا بدأوا ينقلبون ضدها. لذلك أريد أن أسأل الإسرائيليين المصرّين على بناء المستوطنات: لماذا تقومون بهذا العمل؟ وكل ما أسمعه هو رد «كليشيه»: «من أجل الأمن». لكنّ الإسرائيليين أقوياء جدا، يمكنهم القضاء على أي طرف خلال خمسة أيام. إذن جواب الأمن غير مقنع.

 

أحب أن أقول لك أيضا إن الانتحاريين لم يساعدوا أبدا. إطلاق القنابل على محطات الباصات أو داخل المدن المأهولة أثار غضب الإسرائيليين أيضا ولم ينفع الفلسطينيين. لم يكن هذا عادلا. كنت أقدم حفلا موسيقيا في تل أبيب، وسمعت صفارات الإنذار، كان انتحاريا فجّر نفسه في مقهى على بعد خمس دقائق من القاعة، وقتل أبرياء. هذا لم يكن ضروريا، أثار حنق الجانب الإسرائيلي.

* أنت أيضا قارنت سياسة وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بسياسة تشاوشيسكو وستالين.

- هو كان أدلى بتصريح يدعو إلى تبادل سكاني.. لكن أعتقد أنه تخلى عن ذلك، ولم يعد يكرره. أريد أن أخبرك شيئا، الشهر الماضي كنا نقدم حفلا موسيقيا في القدس، كانت القاعة مليئة، وصعد رئيس بلدية القدس المسرح وحيا ليبرمان الذي كان بين الحضور، وإذا بالحضور كله يهتف ضده. هذا لا يُنشر في العالم العربي.

 

* أنت الآن تنشره.

- كل الحضور هتف ضد ليبرمان. لا أقصد كل القدس، لأن المتدينين في القدس لا يهتفون ضده. جمهورنا حقيقي وهو ضد ليبرمان. هناك جزء كبير من الإسرائيليين ليبراليون جدا. قبل عدة سنوات حصل هتاف مضاد من قبل الحضور وكان ذلك ضد شارون الذي دخل ولم يكن في الحكومة آنذاك، ثم دخل شيمعون بيريس وبدأ التصفيق. هؤلاء هم الإسرائيليون. لهم آراؤهم، منقسمون. شارون في تلك الأيام كان مرفوضا سياسيا، لكن بيريس يتمتع دائما بشعبية.

* لكن ما طرحه ليبرمان يدخل في خانة التطهير العرقي.

- هو توقف عن ذلك الطرح، ويجب أن أقول إن نتنياهو لم يدعم ذلك الطرح أبدا.

* أنت لا تؤمن بالتطهير العرقي.

- أبدا.

* أنت زرت سراييفو والبوسنة وقدمت حفلات هناك.

- الأسبوع الماضي بالذات، جلبت فرقة صربية إلى كرواتيا، قدمت فرقة بلغراد الفيلهارمونية ولعبنا في دوبروفنيك، وكانت القاعة مكتظة. كان المطرب باريتون، صربي، أدى ثنائيا مع سوبرانو (مطربة) كرواتية من دون جيوفاني لموزارت. كان ثنائي إغراء، أي «صربيا تغري كرواتيا». دون جيوفاني يغري زاميتا. الحضور كان مستمتعا، رغم أننا كنا نتوقع بعض الاعتراض، لكنّ شيئا لم يحدث.

* تحدثت عن ليبرالية بعض الإسرائيليين، لكن ألا تلاحظ أن الأغلبية صارت تعيش بعقلية «الغيتو»؟ هي تتحدث عن الأمن، عن الخطر على وجودها، عن معاداة السامية في العالم، ألا ترى أن هناك مبالغة؟

- يجب أن نأخذ وضعهم بعين الاعتبار. إن البحر من جانب والعرب من جانب آخر. يعيشون في هذا الجو الخانق منذ أكثر من ستين عاما، والأزمة مستمرة. حرب الأيام الستة لم تكن جيدة، حرب يوم الغفران (1973) لم تساعد، هم نموا في محيط الشك، لكنني أعرف الكثيرين، الكثيرين الذين يريدون السلام، الذين يريدون مبادلة الأرض بالسلام. شخصيا سمعت شيمعون بيريس يقول، وكنا حول طاولة عشاء: لماذا علينا أن ننتصر دائما؟ لماذا لا نساعد الأردن؟ لماذا لا نقدم له المياه؟ ليس لديه مياه، لماذا لا نفعل شيئا لجيراننا؟

إذن هناك هذا الجزء من إسرائيل، واليوم بدأوا ينزلون إلى الشارع، لكن هذه الساحة ليست «ميدان الحرية»، الناس لن يطالبوا باستقالة نتنياهو، بل سيقولون له: نحن هنا، وعليك أن تأخذ صوتنا بعين الاعتبار.

 

* أنت قلت إن حرب غزة كانت نقطة تحول بالنسبة إليك، بسبب المآسي التي حدثت. وتقترح دائما أن تتكلم الحكومة الإسرائيلية مع حماس، لكن حكومة نتنياهو لا تتحدث حتى مع السلطة الفلسطينية ومع أبو مازن...

- أعرف.

 

* كيف تريدها إذن أن تتحدث مع حماس؟

- عليك أن تعرفي أن أبو مازن أخطأ أيضا، وأن الكثير من الفلسطينيين ينتقدونه. أنا أجلس مع الفلسطينيين في رام الله وأسمع ما يقولونه عنه، أنا أرغب في لو أن إسرائيل تخفف من نقاط التفتيش. التقيت رجلا يملك مطعما فخما في رام الله، ويملك فيلا كبيرة، هو رجل ثري ويسافر دائما إلى تورنتو. الأغنياء الفلسطينيون يعيشون في الخارج، يسافرون أولا ثم يعودون ويبنون فيلات ليقولوا للبقية إنهم صاروا أغنياء ويعودون، لهذا فإن الفيلات في رام الله لا يعيش فيها أحد، لأن أصحابها يأتون لشهر واحد في السنة، ولكن هؤلاء عليهم أن يعبروا جسر اللنبي، وهذا يعني «المرور في الجحيم»، فالحرارة خصوصا في الصيف تصل إلى 45 درجة، وعليهم الانتظار لساعات في السيارات من أجل المغادرة.