الأقباط متحدون - الأخوة الإنسانية
  • ١١:٤٠
  • الثلاثاء , ١٢ فبراير ٢٠١٩
English version

الأخوة الإنسانية

مقالات مختارة | عبد المنعم سعيد

٠٦: ٠٨ ص +02:00 EET

الثلاثاء ١٢ فبراير ٢٠١٩

الأخوة الإنسانية
الأخوة الإنسانية

عبد المنعم سعيد
بدت مدينة «أبوظبى» من الدور السابع والثلاثين فى فندق «سان ريدجيز» جميلة وبهية ومتلألئة بكم هائل من الأضواء الهادئة التى تجعل المدينة تنافس أجمل مدن العالم التى زرتها من قبل. منذ عام ٢٠٠٨ وأنا أزور عاصمة الإمارات مرة على الأقل كل عام، وفى سنوات سابقة كان هناك أكثر من زيارة، وفى كل مرة كانت المدينة مختلفة عن سابقتها، كانت هناك مناطق جديدة تظهر، وعمران آخر يضاف. هذه المرة بدا أن الاكتمال حدث وها هى المدينة تأخذ مسارها فى التاريخ معبرة عن دولة ليست فقط غنية، ولكن الأهم أنها تعرف تماما إلى أين تذهب. هى نوعية من المدن التى يعرفها العالم، وقد أصبحت جزءا من المستقبل، فتية وعفية وشابة، لا تعرف شيئا عن هموم السنين التى تثقل عواصم أخرى، وبالتأكيد القاهرة، ولكن قضيتها أن تكون جزءا من العصر. منذ عشر سنوات كانت الزيارة للمدينة قريبة من فندق «قصر الإمارات» الذى يبدو أنه أحضر بعضا من ليالى ألف ليلة وليلة لكى يضعها فى قلب القرن الواحد والعشرين، فقد كان المكان مستضيفا لباقة من أعمال الفنان «بيكاسو»، هذه المرة لم تعد المدينة تستضيف فنانا مشهورا، وإنما كان لديها متحف «اللوفر» بأكمله، ومعه كانت المدينة تستضيف مؤتمرا عالميا بعنوان «الأخوة الإنسانية» يحضره ٧٠٠ مشارك من قارات العالم الست، يمثلون كل الديانات والعقائد المعروفة فى الدنيا كلها. وأعترف بأنه عندما جاءتنى الدعوة لم أشعر براحة كبيرة إزاءها، فما أكثر المؤتمرات المثالية التى تتحدث عن الأخوة بين البشر والتى يناقضها الكثير مما نشاهده فى أركان العالم الأربعة. أكثر من ذلك فلم أكن أعرف الدور المنوط بى القيام به أكثر من حضور العديد من الجلسات وورش العمل. ولكننى لم أكن ممن يعتذرون عن دعوة من الإمارات ويكون نجماها قداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، والدكتور أحمد الطيب الإمام الأكبر وشيخ الجامع الأزهر. كانت مصر بشكل ما شريكة فى المؤتمر ليس فقط بشيخها العظيم، وإنما بباقة من الزملاء والمفكرين وكبار القامة، ومن خبرة خمسين عاما فى حضور المؤتمرات، فإن أعظم ما تجده ليس ما سوف تقوله، ولكن ما تستمع إليه.

ومضت أعمال المؤتمر التى جاء ذكر الكثير منها فى الصحف والتليفزيون و«اليوتيوب» والمواقع الإلكترونية من كل حدب وصوب. الحديث كله له وجهان: الأول أن كل الأديان والمذاهب تدعو إلى الأخوة الإنسانية، وسواء كان النص الدينى سماويا آتيا من رب العالمين، أو ليس كذلك وفيه اجتهاد البشر للوصول إلى الخير فى الإنسان أو فى العمل. والثانى أن «الأخوة الإنسانية» هى الحل لكل المشكلات والمعضلات التى تواجه البشر. الديانات الكبرى فى العالم هى الكاثوليكية التى يتجاوز عدد معتنقيها المليارين من البشر، والإسلام الذى يعتنقه بمذاهبه ومدارسه المختلفة مليار وثمانمائة مليون نسمة، والهندوسية مليار ومائة مليون نسمة، واللادينيون أكثر من مليار، والبروتستانتية خمسمائة مليون نسمة، واليهودية ٢٥ مليون نسمة، وما تبقى من سكان العالم (أكثر من ٧ مليارات نسمة) يتوزعون بين ديانات مختلفة. فى دولة الإمارات العربية حوالى ٢٠٠ جنسية مختلفة، كل منها لها ثقافتها ودينها، وكان هناك ممثل واحد على الأقل لكل منها يتحدث بحماس، ويقدم البراهين بالنصوص والتاريخ، على الإيمان الكامل بالأخوة الإنسانية. المسلمون على وجه الخصوص كانت لديهم أسباب إضافية للحديث وتقديم البرهان، فالعقدان الماضيان طرحا الإسلام فى العالم باعتباره دينا للعنف والإرهاب. الألفية الثالثة بعد الميلاد بدأت بنسف برجى التجارة العالمى فى نيويورك أو ما عرف بأحداث الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١، وبعدهما جاءت الحروب فى أفغانستان والعراق، ثم جاء «الربيع العربى» لكى تعقبه مجازر إنسانية كان لها نجوم من «القاعدة» و«داعش»، وطوابير طويلة من منظمات كلها وضعت فى أسمائها أمرا إسلاميا. تحدث المسؤولون عن «الفتوى» فى البلدان العربية والإسلامية، دفاعا عن الإسلام وتأكيدا على رفضه للإرهاب، وجاء خطاب الدكتور الطيب فى صرح الشيخ زايد لكى يضيف إلى التحفة الفنية أخرى بلاغية عرض فيها لتجربته الشخصية، عندما واجهت مصر العدوان الثلاثى عام ١٩٥٦ من مدينته فى الأقصر، وكيف امتد العدوان إلى ١٩٦٧، إلى أن جاءت حرب أكتوبر ١٩٧٣. كان المسلمون ضحايا وليسوا معتدين، ولكن ذلك ليس مسوغا للعنف والإرهاب الذى يرفضه الإسلام قلبا وقالبا، شكلا وموضوعا؛ وعندما وصل الإمام إلى الجزء الثالث من خطابه كانت الأخوة الإسلامية فضيلة إسلامية خالصة.

السؤال الذى أرقنى طوال الجلسات، ولم أجد فرصة لطرحه إلا فى واحدة من ورش العمل، كان إذا كانت كل الأديان على هذه الدرجة من التسامح والسعى إلى الأخوة الإسلامية.. فلماذا كان التاريخ الإنسانى فى جوهره تاريخا للحروب والعداوات والعنف والتعصب؟. صحيح كانت هناك بعض فترات من الهدوء، عندما سادت إمبراطوريات، مثل الإمبراطورية الرومانية التى فرضت القانون الرومانى، وعلى مدى قرن، فإن السلام البريطانى كان وصفا على العلاقات الدولية. الإسلام رغم كل النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية، فإن «الفتنة الكبرى» دارت بين صحابة لرسول الله ممن شهدوا معركة بدر فى أول الدعوة، ومنهم من كانوا مبشرين بالجنة. كان التوتر بين «الرسالة والإمارة» شائعا فى تاريخ الإمارات والممالك الإسلامية، وكذلك المسيحية والهندوسية والبوذية. المدارس الفكرية الثلاث التى حكمت تاريخ البشرية طوال القرن العشرين «الفاشية» و«الشيوعية» و«الليبرالية» دفعت فى اتجاه حربين عالميتين، وسباق للتسلح يكفى لفناء كل البشر، و«احتباس حرارى» يكفى لتدمير الكرة الأرضية. فإذا كان كل الحاضرين ممن يدعون للأخوة الإنسانية.. فلماذا كان هذا القدر من العداء والكراهية والدماء النازفة؟

ما قلته أن كل ذلك لا يطعن فى مصداقية كل من تكلموا فى مناسبة أو أخرى من المؤتمر، كلمة الشيخ الإمام وكلمة قداسة البابا كانت فيهما بجوار البلاغة المشاعر المرهفة؛ ولكنه لا يكفى معرفة «الدين الحقيقى» للتعامل مع العنف والحرب والإرهاب، فهناك مداخل أخرى فى علم النفس السياسى، والعلاقات الدولية، وتاريخ الحضارات، ما يضع يدنا على تلك الظاهرة المعقدة للإنسان. المدهش أن المؤتمر على غناه لم تكن فيه جلسة واحدة فى حل الصراعات أو كيف تكون الأخوة الإسلامية جزءا من نشأة وتعليم البشر. وإذا كان الإنسان الآن يستطيع التعامل مع الفقر والمرض والحروب.. فلماذا لا يستطيع بنفس الدرجة التعامل مع الكراهية والعنف والإرهاب؟ ربما كان لذلك حديث آخر!
نقلا عن المصرى اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع