الأقباط متحدون - أحبّوا.. مثل طفلٍ ضرب قدمَه بسهم
  • ٠١:٠٢
  • الاربعاء , ١٣ فبراير ٢٠١٩
English version

أحبّوا.. مثل طفلٍ ضرب قدمَه بسهم

مقالات مختارة | بقلم :فاطمة ناعوت

٤٥: ١٠ م +02:00 EET

الاربعاء ١٣ فبراير ٢٠١٩

فاطمة ناعوت
فاطمة ناعوت

 اليومَ، سوف تصطبغُ صفحاتُ العيون بحُمرة الشفق، ويُشرقُ الكونُ بالورود الحمراء وتخفقُ القلوبُ بحُمرة الهوى. سوف يترجّلُ «كيوبيد» عن أرجوحته الطفولية المُزدانة بالزهور ويجوبُ الدروبَ، حاملًا قوسَه وسهامَه. هو أكبرُ طفلٍ فى الوجود. عمره ٣٠٠٠ عام. طفلٌ أبدى لا يكبر أبدًا ولا يشيخ. عبرَ فوق السنوات، وقفزَ فوق العقود وحلَّقَ فوق القرون، لكنه نسى أن يكبُر عامًا واحدًا. شأنه شأنَ الحب: عابرٌ للزمن، شأنَ الحبِّ: معصوبُ العينين، شأنَ الحبِّ: يصيبُ القلوبَ بسهمه الحارق دون إنذارٍ ودون مَنطقٍ.

 
هو، فى الميثولوجيا الرومانية، طفلُ الآلهة المُدلّل. أمُّه: ڤينوس، ربّةُ الجمال. وأبوه: مارْس، إلهِ الحرب. تقول الأسطورةُ إن الغيرةَ ضربتْ قلبَ ڤينوس من الأميرة سايكى Psyche. لأن جمالَ الأخيرة وحُسنها َالفائقَ شغلَ الناسَ عن عبادة ڤينوس. فأمرتْ الإلهةُ ابنَها كيوبيد بأن يصيبَ الفتاةَ الجميلةَ بسهمٍ لكى تُحبَّ أكثر رجال الأرض فقرًا ودمامةً. لكن كيوبيد انبهرَ بجمالها، فرمى قدمَه بسهم الهوى، ووقع فى عشقها. ولأنه إلهٌ ومحبوبته إنسانٌ، فقد كان ممنوعًا عليها أن تراه. فالبشرُ غيرُ مسموح لهم برؤية الآلهة. شيّد «كيوبيد» لحبيبته «سايكى» قلعةً مهيبة بحديقة غنّاء وظلَّ يزورُها كلَّ ليلة يطارحها الغرام، دون أن تتجرأ البنتُ بالنظر إليه. حتى أوعزت لها شقيقتاها بأن تنظرَ إليه. ولما فعلت غضب كيوبيد واختفى. واختفى القصرُ والحديقة. فضربها الحزنُ وهامتْ على وجهها شاردةً حتى صادفت هيكلَ ڤينوس، فدخلت تتوسّل إليها. أمرتها الربّةُ أن تحملَ صندوقًا صغيرًا وتذهبَ إلى العالم السُّفلى لتملأه زوجةُ بلوتو من جمالها، وتعود به دون أن تفتحَ الصندوق. لكن الفضول جعلَ «سايكي» تفتح الصندوق فلم تجد الجمالَ. بل وجدت نومًا يشبه الموات. فضربها النومُ الطويل. ولمّا وجدها كيوبيد ملقاةً فى الصحراء كالموتى، رقَّ قلبُه لها، فانتزعَ منها النومَ ووضعه فى الصندوق وأحكم عليه الغلق، ثم تزوجها. فمَنَّ عليها «جوبيتر»، إله السماء والبرق، بالألوهية، وصارت «سايكى» ربّةَ الروح. ومنها اِشْتُقَّ اسمُ: علم النفس Psychology.
 
اليومَ، هو عيدُ الحبّ. هو بداية فصل الربيع عند قدامى الرومان. حيث مهرجانُ الخصب والنقاء. كان الرومان يكنسون البيوتَ وينثرون القمحَ والمِلحَ فى أركانها، ثم يذهبُ الكهنةُ إلى الكهف المقدس، حيث كان الطفلان الإلهان: روميلوس وريميس، مؤسِسا الدولة الرومانية، يعيشان تحت رعاية أنثى ذئب. ينحرُ الناسُ القرابين: عنزةً، رمزًا للخصوبة، وكلبًا، رمزًا للنقاء والوفاء. ثم يُقطّعون جلدَ العنزة شرائحَ صغيرةً ويغمسونها فى الدم، ويجوبُ بها الأولادُ الطرقاتِ ليمسحوا وجوهَ النساء، وصفحات الحقول، حتى يعمَّ الخصبُ: إنجابًا للنساء، ومحاصيلَ للحقول. وعند المساء، تُلقى الفتياتُ أسماءهن فى جَرّة فخارية، ويأتى شبابُ الرومان يلتقطُ كلٌّ ورقةً، فيتزوجُ صاحبتَها. تلك قصة عيد الحب ١٤ فبراير، كما روتها لنا أساطيرُ ما قبل الميلاد.
 
أما الحكايا الأحدث فتقول إن قدّيسًا اسمه «ڤالنتين»، عاش فى عهد الإمبراطور كلاوديس، الذى جَرّم الزواجَ على الشباب لاعتقاده أن الزواجَ يُضعفُ لياقة الجنود القتالية. لكن القديسَ الطيبَ رأى فى ذلك القانونَ إجحافًا ومخالفة لتعاليم السماء. فراح يزوّجُ العاشقين فى كنيسته سِرًّا، متحدّيًّا أوامرَ الإمبراطور. ولما اِكتُشفَ أمرُه أُعدم يوم ١٤ فبراير، فصارَ اليومُ أيقونةً للمحبّين. وصار يوم «فالنتين» ثانى أكبر عيد على مستوى العالم، بعد الكريسماس، يتبادل فيه الناس التهانى والهدايا؛ إذْ فى أمريكا وحدها يُوزَّعُ نحو بليون كارت فى هذا اليوم. تحملُ قلوبًا حمراءَ وورودًا.
 
وما بين الأسطورة الڤينوسية وحقيقة القديس الطيب، يوافقُ اليومُ (١٤ فبراير) بداية موسم تزاوج الطيور فى معتقدات إنجلترا وفرنسا. لهذا أصبح سِمةً للرومانسية، يتبادلُ فيه العشاقُ، والأصدقاء بطاقاتِ التهانى والهدايا. وترقدُ حتى لليوم، فى مكتبة لندن، أقدمُ تهنئة فى التاريخ، من عاشق لحبيبته فى عيد الحب. وكانت من تشارلز، دوق أورليانز، لزوجته حين كان سجينا فى برج لندن فى القرن الـ١٥.
 
الحبُّ هو اللغزُ الذى منحنا كلَّ هذا الميراث الضخم من الأغنيات والأوبرات، والمسرحيات، والروايات، والقصائد والمقطوعات الموسيقية. هو القوة العجيبة التى دفعت الإنسانَ ليبدع القطع النحتية واللوحات التشكيلية والأساطير. هو الكيمياء التى تصنع المشاعر وتخطف العقول، وتجلب السعادة مثلما تجلبُ الحَزَن. إنه الحب الذى جَمَّلَ العالمَ وغمر البشرَ بالبهجة والفرح. إنه الحبَّ الذى حين يُستخَفُّ به، قد يسبب أشدَّ ألوان العذاب النفسى والجسدى والعقلى كذلك. هو لغزٌ اسمه الحبُّ. أحبِّوا، تَصِحّوا، مثل الطفل الذى لا يكبر.
 
طوبى لكل من لديه قلبٌ يُحبُّ، وطوبى لمن يحبّ الوطن. «الدينَ لله، والوطنَ لمن يحبُّ الوطن».
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع