الأقباط متحدون - الكفر والتكفير وجهان لنفس العملة!
  • ١١:٣٠
  • الخميس , ١٤ فبراير ٢٠١٩
English version

الكفر والتكفير وجهان لنفس العملة!

مقالات مختارة | سحر الجعارة

١٣: ٠٨ ص +02:00 EET

الخميس ١٤ فبراير ٢٠١٩

سحر الجعارة
سحر الجعارة

فى عام 2010 دخلت معركة حقيقية مع بعض التنظيمات التى تدعو إلى «الإلحاد»، على صفحات جريدة «الفجر»، وقد وصلت إلى التحقيق فى نيابة أمن الدولة العليا طوارئ، بعدما انتشرت على موقع التواصل الاجتماعى صفحات تحمل أسماء الأنبياء وتقلد القرآن الكريم بسخرية لاذعة، ووصل الأمر إلى الذات الإلهية فظهرت صفحة باسم «الله».. وقبل أن تكتمل التحقيقات قامت ثورة يناير 2011، وتم اقتحام مقار أمن الدولة، وأُتلفت الملفات عمداً.. وأغلقت القضية، رغم وجود أدلة دامغة على المتهمين بالأسماء!.

المهم، جاء حكم الإخوان، بميليشياته وأفكاره الجهنمية حول لحظة «التمكين فى الأرض»، وخرج السلفيون من جحورهم، وكنا نعلم أن معدل الإلحاد يتزايد مع ارتباط تيار الإسلام السياسى بالإرهاب، ونشر العنف والدم فى كل مكان، ومع سقوط بعض دول الجوار فى قبضة تنظيم «داعش».. وما رأيناه من عمليات إعدام وحشية وهمجية، ومن هتك لأعراض «الأيزيديات» والاتجار بالنساء.. بالتزامن مع علو النغمة النشاز التى تفكك المجتمع بتكفير الأقباط.. لم تعد حربنا مع «تنظيمات الملحدين»، ولم تعد مهمتنا التصدى لأفكارهم الهدامة!.

لقد وجدنا أنفسنا، (بعد سقوط الفاشية الدينية للإخوان)، أمام «الورثة» وهم التيار السلفى بأحزابه الدينية المتعارضة مع الدستور وأبواقه الإعلامية وقاعدته الجماهيرية التى تهيمن عليها المنابر فى القرى والنجوع.. وجدنا أنفسنا فى خانة «الدفاع عن النفس» ضد هيمنة المؤسسة الدينية الرسمية، ومطاردة المبدعين والمفكرين بقانون «ازدراء الأديان».. وجدنا «الإسلام» نفسه فى محنة يحتاج لمن ينقى صورته من فتاوى: (وطء البهيمة ونكاح المتوفاة وإرضاع الكبير وزواج الأب بابنته).. إلخ تلك الخزعبلات!.

أحسسنا أن «الدولة المدنية» تتآكل، وأن مصطلح تجديد «الخطاب الدينى» لم يعد ممكناً تحت حصار حملات التكفير وجر المجددين إلى المحاكم.. وحين رأيت الإعلامى «عمرو أديب» يناقش قضية الإلحاد فى برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «MBC مصر» الفضائية، انتبهت جيداً لما يقوله الدكتور «سعد الدين هلالى»، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، الذى كان معه الدكتور «أحمد سالم»، أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة طنطا، والدكتور «عبدالناصر عمر»، أستاذ الطب النفسى بجامعة عين شمس.

يشبه الدكتور «هلالى» تنظيمات الملحدين بتنظيمات الجمعية الشرعية، وأنصار السنة، والإخوان.. لأنها تلعب بمجتمعنا مثلما لعبت بها التنظيمات الإرهابية.. بهدف إحداث فراغ تشريعى، وأن كل شىء محلل وأنه لا يوجد للكون حاكم وبالتالى ينتشر الظلم.

ويشير «هلالى» إلى أن إحدى المنظمات الأمريكية زعمت أن مصر بها أعلى نسبة إلحاد بعد ثورتى يناير 2011 ويونيو 2013، وأن عدد الملحدين فى مصر تجاوز 2 مليون شخص، محذراً من أن الإلحاد يؤدى إلى الانتحار وإنهاء الحياة، نظراً لعدم وجود الحق المطلق، وأن من سيموت مظلوماً لن يجد من يرد له حقه، وأن من سيموت ظالماً لن يجد من يحاسبه، محذراً من اعتبار الملحدين طائفة أو جماعة أو تنظيماً موجوداً فى المجتمع، ويقسم بعد ذلك المصريين إلى مسلمين ومسيحيين وملحدين!.

أصر «هلالى» على رفض الاستماع للملحدين، لأن كل الهدف من الحوار معهم هو أنهم يثيرون الفتنة، وقال إنه لا داعى للنقاش، لأنه يعلى فكرة التشكيك عند الآخرين.. فى حين أصر الدكتور «أحمد سالم» على ضرورة المناقشة مع الملحدين والاستماع لهم، موضحاً أنهم يقدمون الآن طرحاً علمياً، ويجب الرد عليهم بطرح علمى مغاير، بالحوار، مشدداً على ضرورة احتوائهم، معقباً: (إذا كنت صاحب عقيدة مش قادر تدافع عنها والملحد هيشكك فيها يبقى عقيدتك زى قلتها.. والله العظيم من خيرة أبناء مصر فى العقول فى الملحدين.. وفيهم مهندسون وأطباء)!.

ولكى نحسم الخلاف: «نناقش أو لا نناقش الملحد» يجب أن نعرف أولاً كيف سنرد على ملحد إذا سألنا هل صحيح أن مدة الحمل فى الإسلام تمتد إلى أربع سنوات؟.. وكيف نقبل بزواج المسلم من مسيحية وبعض العلماء يكفرونهم؟.. وإذا كنا نعتبر «اختلاف الفقهاء رحمة»، فهل نقبل بتطبيق رأى الإمام «الشافعى» الذى (يجيز فيه زواج الرجل من ابنته من الزنا)؟!.

إنها مجرد نماذج لم أقترب خلالها من «قائمة الفتاوى»، التى تزيد من معدلات الإلحاد، مثل تحليل ملك اليمين وفتح أسواق النخاسة وتجارة الرقيق، التى يحلو لبعض علماء الأزهر التغنى بها (سعاد صالح، وعبدالمنعم فؤاد نموذجاً)!.

إن شئت أن تتعرف على حجم ظاهرة الإلحاد فى مصر وأسبابها فتش عن كل هؤلاء: من التنظيمات الإرهابية للأحزاب الدينية والتيار السلفى حتى تصل إلى مقر مشيخة الأزهر!.

وإن اعتبرت «الكفر بالذات الإلهية» أو كما وصفه الدكتور «هلالى» بأن «الملحدين يريدون محاكمة الله».. لا بد أن تضع أمامها «ماكينة التكفير» التى جعلت قتل الأقباط «على الهوية» دون دية، واغتيال «تيار الاستنارة» فتحاً إسلامياً.. الكفر والتكفير وجهان لنفس العملة.. وكلما أخرجت أعفن ما فى التراث ودافعت عن قدسيته، ستجد أمام كل فتوى شاذة ملحداً!.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع