الأقباط متحدون | الإسلام ومدنية الدولة
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١١:١٦ | الأحد ١٨ سبتمبر ٢٠١١ | ٧ توت ١٧٢٨ ش | العدد ٢٥٢٠ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

الإسلام ومدنية الدولة

الأحد ١٨ سبتمبر ٢٠١١ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

 بقلم: أحمد صبح


لقد مضى "سعد زغلول" الزعيم الوطني والأزهري الأصل، رافعًا شعار "الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة"..

وباعتبار "سعد زغلول" من المبدعين الثوريين الذين حققوا قوة اللحظة، ابتدع هو وحزبه شعار "الدين لله والوطن للجميع"، وقد تم تأسيس دستور مدني للدولة في عام 1923، أي قبل سقوط الخلافة الإسلامية بعام واحد. ورغم عدم مشاركة "سعد" وحزبه في صياغة الدستور، إلا أنه أعطى نموذجًا مضيئًا لدستور الدولة المدنية التي لا تسمح بوجود ديكتاتورية مطلقة، وتجعل الوطن ملكًا للجميع بالفعل. ولم يكن غريبًا أن يمضي "سعد زغلول" بالدولة المدنية إلي غايتها، وذلك في سياق كان له بوادره الدالة، حيث كتب "سعد" في مذكراته تعقيبًا على كلمات أُلقيت في افتتاح الجامعة المصرية في 21 ديسمبر 1908، وكانت الكلمات لـ"عبد الخالق ثروت" و"أحمد زكي" وغيرهم، وذكر "أحمد زكي" كلمته التي مجَّد فيها الإسلام، وبيَّن أنه كان سابقًا في فكرة الجامعة، وتحدَّث عن مفاخر الماضي الإسلامي، فكتب "سعد" معلقًا على ذلك: "كانت أثقل الكلمات على السمع وأبعدها عن الموضوع وأفرغها من حسن الذوق، لأنه تكلم فيها عن الإسلام ومجدة بأمور متكلفة ليس من اللياقة إلقاؤها في افتتاح جامعة لا دين لها إلا العلم"..

 

وإنني أحيي الزعيم العظيم "سعد زغلول" على تعقيبه، حيث أنني أرى أن الدين شيء مقدس لا يمكن أن يكون مطية، مذلولًا وخادمًا لأوضاع معينة. فعندما نريد أن نتبنى الإشتراكية منهجًا، نتحدث عن إشتراكية الإسلام، ولا ننسى قول القائل: "الإشتراكيون أنت إمامهم لولا دعاوي القوم والغلواء"، ولا ننسى ما قيل في "أبي ذر" أنه كان محاميًا للفقراء، وما نراه من بعض المفكرين عن ديمقراطية "عمر" أو ديمقراطية الإسلام.. كل هذه المناهج الأرضية التي نعتنقها في إطار "أنتم أعلم بشئون دنياكم". يجب أن نبتعد بالنص المقدس عن أمور الدنيا؛ لأن القداسة للأديان، وهي نسيج وحدها، لا يمكن أن ننزل بها إلي مصطلحات هي من صنع البشر، تساعدنا في حياتنا الأرضية المشتركة. لذلك، أعجبني تعليق "سعد زغلول" عندما يقول: "إن المتحدِّث مجَّد الإسلام بأمور متكلفة ليس من اللياقة إلقاؤها في افتتاح جامعة لا دين لها إلا العلم".

 

ولما مات الملك "فؤاد" عام 1936، وتم تدشين "فاروق" ابنه ملكًا على "مصر"، اقترح البعض من أسرة "محمد علي" أن يقسم الملك الجديد يمين الولاء في الأزهر الشريف الذي هو رمز الإسلام ودين الأغلبية، إلا أن "النحاس باشا" رفض هذا الاقتراح بشدة، مهدِّدًا بالاستقالة لو حدث ذلك، وكان رفضه قائمًا على أن نظام الحكم في "مصر" نظام مدني، وملكها الجديد مثل ملكها المتوفي، مسئول أمام البرلمان الذي كان تجسيدًا عمليًا لمعنى الشعار "الحق فوق القوة والأمة فوق الحكومة".. كانت النتيجة انتصار موقف "النحاس"، ولم يذهب الملك "فاروق" إلي الأزهر، وأقسم اليمين أمام ممثلي الشعب في البرلمان؛ لأن الأمة فوق الحكومة.

 

لقد تعلَّمنا من الإسلام وميراثه ضرورة أن نعمل لدنيانا كأننا نعيش أبدًا، ولآخرتنا كأننا نموت غدًا. وأننا أدرى بشئون دنيانا، وأن تصرفات النبي "محمد" عليه الصلاة والسلام تشريعية وغير تشريعية، فالأولى بالوحي المقدس والأخرى بطبيعة البشرية التي تخضع للحوار، مثل إدارة شئون الدولة، والحروب، والسياسة. والسيرة مليئة بآراء أصحابه التي أخذ بها النبي "محمد" صلي الله عليه وسلم حتى بالمخالفة لرأيه، مثل خروجه في غزوة أحد خارج المدينة، وحفر الخندق يوم الأحزاب، وأن أمور الدنيا ممكن أن يُخطئ فيها البشر ويصيبون، وأن الحاكم يقبل التصويب مادام مفيدًا؛ لأنها تقعد في دائرة الدنيا المتغيرة التي تفرض الاجتهاد الذي يتميز بعدم الثبات وعدم الكلية.

 

قال الإمام "الكندي"- المتوفي في القرن الثالث الهجري-: إن من أوجب الحق أن لا نذم من كان أحد أسباب منافعنا، وأن غيرنا أنسباء وشركاء لنا فيما نفيده من ثمار فكرهم. فلا شيء أولى بطالب الحق من الحق، ولا ينبغي أن نستحي من استحسان الحق واقتنائه من أين أتى، وإن أتى من الأجناس القاصية عنا. هكذا يرى الإسلام أن تتميم النوع الإنساني هو الغاية التي يسعى إليها عقلاء البشر، وأن هذه الغاية تشترك فيها الأمم جميعًا، وتتداولها واحدة إثر أخرى في سعي البشرية المتصل للتطور، والذي لا نهاية له ولا حد. فلابد من دولة المواطنة والعدل والمساواة والحرية، وهي مبادئ تقول بها جميع الديانات. فالدولة المدنية ليست ضد الدين، بل يأمر بها الدين، من خلال "أنتم أعلم بشئون دنياكم". فلا يجوز لجماعة أو حزب أن يحتكر المعرفة أو يفسر النصوص حرفيًا باسم الدين؛ لأن الأمر في النهاية هم "بشر"، يفسرون النصوص، والنصوص لها قدسيتها، ولا يوجد أحد ينوب عن الله في الحكم. لذلك، لابد من مدنية الدولة كما قال الشيخ "محمد عبده": إنه لا دولة دينية ولا سلطة دينية في الإسلام، وإن الإسلام هدم بناء السلطة الدينية ومحا أثرها حتى لا يبقي لها عند الجمهور من أهله اسم ولا رسم، وإن الإسلام لم يدع لأحد بعد الله سلطانًا على عقيدة ولا سيطرة علي إيمان، وإن النبي "محمد" صلى الله عليه وسلم كان مبلغًا ومذكِّرًا لا مهيمنًا ومسيطرًا "فذكِّر إنما أنت مذكِّر، لست عليهم بمسيطر".




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تقييم الموضوع :