الأقباط متحدون - الأصوليات والمجتمع (93) الأصولية المسيحية والتشريع الأمريكى
  • ٢٢:١١
  • الجمعة , ١٥ فبراير ٢٠١٩
English version

الأصوليات والمجتمع (93) الأصولية المسيحية والتشريع الأمريكى

مقالات مختارة | مراد وهبة

٣١: ١١ ص +02:00 EET

الجمعة ١٥ فبراير ٢٠١٩

مراد وهبة
مراد وهبة

يقال عن الأصولية الأمريكية إنها أعلى مراحل الفردية، إذ إن عقيدتها تكمن فى الصعود إلى الله دون وسيط، وأن أفرادها جميعاً يشتهون خيراً واحداً وهو العمل بإرادة الله فى هذه الدنيا وبالاتحاد معه فى الآخرة. ومن هنا يقال عن الأصولى إنه الانسان الإلهى الذى يطيع إرادة الله بإرادة حرة، أو فى صياغة أخرى يمكن القول إن الحرية تقوم فى الطاعة الإرادية لإرادة الله. وفى هذا السياق تكون الأصولية نقيض الليبرالية على الرغم من أن الحرية هى المثل الأعلى لليبرالية. ومن هنا أطلق مؤسس الحزب المسيحى الأصولى جيرى فولول تحت مسمى «الغالبية الأخلاقية» اسم «الجامعة الحرة» على الجامعة التى أنشأها، بمعنى عدم خضوعها للحكومة إذ الإنسان فيها يحيا فى مجال الله، وفى هذا السياق أيضاً يتحدد البرنامج السياسى. فالحكومة لا تتدخل فى الحياة الشخصية للمؤمنين وبالتالى لا تتدخل فى تربية أطفالهم، إذ كل ذلك من شأن المؤمن أو أسرته. وإذا حدث وتدخلت فالعصيان المدنى مشروع لأن من شأن هذا التدخل الوقوف ضد الحرية. ومن هنا يكون الأصولى مستعداً لقبول إدانته من قبل قانون الدولة إذا كان هذا القانون يمنع الإنسان من طاعة الله. أما إذا أرادت الدولة التوافق مع حرية الأصولى فعليها الآتى: إدانة الشرير وهذا هو جوهر العدالة، مع حرية التمييز بين الصواب والخطأ. ومعنى ذلك أن أى إصلاح سياسى، عند الأصولى، هو بالضرورة إصلاح أخلاقى يستند إلى عقد اجتماعى، أو بالأدق، إلى عقد مع الله. ويترتب على ذلك تداخل الدين مع التشريع الذى تقوم به الدولة، ومن ثم يكون التشريع ذاته دينيا، ومن ثم ينفذان سوياً ما يريده الله. إلا أن هذا لن يكون ممكناً إلا إذا كانت قوانين الحكومة هى قوانين الله المنصوص عليها فى الإنجيل وفى الدستور، وبذلك يتوارى التمييز بين المجال العام والمجال الخاص. وهذه نتيجة حتمية تنتهى إليها الأصولية المسيحية. ومن ثم يمتنع الدين من أن يكون مسألة خاصة بالفرد، ومن ثم فإنه لن يكون من حق أحد إخراج الله من المجال العام.

والسؤال بعد ذلك:

إلى أى مدى كانت الأصولية المسيحية موفقة فى إلزام التشريع الأمريكى بأيديولوجيتها؟

جوابى على النحو الآتى:


فى عام 1986 أعلنت المحكمة العليا أنها لا تحمى الشذوذ الجنسى، انتصاراً للأصولية المسيحية‘ إلا أن المحكمة أعلنت أيضا أن عدم حمايتها لم يكن لأسباب دينية إنما لأسباب تاريخية قديمة. ثم إن المحكمة لم تصدر حكماً بالمنع إنما كل ما فعلته هو أنها تركت الأمر للحكومة تتناوله على نحو ما تشاء. وكذلك الأمر فى شأن الإجهاض، إذ ارتأت المحكمة العليا مطالبة الحكومة بالحد من تمويل مستشفيات الإجهاض إلا أن هذه المطالبة لم تكن مردودة إلى أسباب دينية بقدر ما كانت مردودة إلى التراث الذى يحرض على منع الإجهاض.

وتأسيساً على ذلك كله يمكن القول إن إشكالية الأصولية المسيحية فى أمريكا تكمن فى أنها تدعو إلى حرية الفرد ولكن فى حدود الأخلاق. ومع ذلك فإنها لم تكن موفقة لأنها محافظة فى مواجهة قضايا العصر.
نقلا عن المصرى اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع