الأقباط متحدون - مابين الحرية والالتزام
  • ٠٩:٢٨
  • السبت , ١٦ فبراير ٢٠١٩
English version

مابين الحرية والالتزام

مقالات مختارة | بقلم : الأنبا موسى

٠٧: ١٠ م +02:00 EET

السبت ١٦ فبراير ٢٠١٩

 الأنبا موسى
الأنبا موسى

 نتابع حديثنا بإذن الله ومعونته، حول.. «التوازنات المطلوبة فى حياتنا»...

 
7- التوازن بين الحرية والالتزام
 
الحرية هى سمة هذه الأيام، ورياح التحرير تهب على كل مكان. والله يحب أن نكون أحرارًا، وقد خلقنا كذلك، ولكنه يحب أن نحيا الحرية الحقيقية، وليس الحرية الوهمية، التى هى فى حقيقتها عين العبودية، لأن «كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ» (يوحنا 34:8).
 
خلق الله الإنسان حرًا، وترك له فرصة الاختيار بين أن يتبع الله أو يتبع الشيطان، واختار الإنسان الخطية والعصيان، فحلت عليه عقوبة: «لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ» (تك 17:2)، «لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِىَ مَوْتٌ» (روميه 23:6)، لكن الله فى محبته لنا، أعطانا التدين السليم طريقًا للإفلات من هذه العقوبة، فبالتدين نتقرب إلى الله تعالى، وننال منه الغفران والمعونة..
 
لا توجد حرية مطلقة...
 
غير أنه لا توجد حرية مطلقة، فهذا وهم مدمر، وكما يقولون: «حريتك تنتهى عند طرف أنفك»، أى أنها تنتهى عندما تبدأ حرية غيرك، وعليك ألا تتدخل فى حريته.. فمثلا:
 
1- أنت حرّ فى أن تقتنى سيارة، وأن تتحرك بها، لكن لابد أن تلتزم بقواعد وقوانين المرور، وإلا تعرضت للخطر، وعرّضت الآخرين معك.
 
2- وأنت حرّ فى أن تزور صديقك، ولكنك لست حرًا أن تتلصص على محتويات أدراج مكتبه، بدعوى أن هذه غريزة حب الاستطلاع.
 
3- كذلك أنت حرّ فى أن تأكل، ولكن دون أن تؤذى نفسك بكمية أو أنواع الأطعمة التى تأكلها، لئلا تصاب بأمراض خطيرة.
 
لذلك يجب الموازنة بين الحرية والالتزام!!
 
وها نحن نرى أمامنا نتيجة انفلات الحرية الجنسية فى الغرب، وكيف أدمن بعضهم الخطيئة والدنس، فلم يستطيعوا أن يتحرروا من ذلك حتى بعد الزواج، فكانت الزيجات المتعثرة، والأسر المفككة، والأولاد المشردون المتعبون نفسيًا!!
 
إن الحرية المنفلتة فى أمور الجنس قادتهم إلى الإدمان، ثم إلى المخدرات، ثم إلى الجريمة.
 
لكن الحرية الحقيقية هى من الله، حين نلتزم بعبادته ووصاياه.
 
لهذا لابد من حرية ملتزمة لها ضوابطها، مثل:
 
1- الله: النور الأعظم والخير اللانهائى. 2- الكتب المقدسة: حيث الوصايا ودستور الحياة اليومية.
 
3- الضمير: وهو صوت الله داخل الإنسان. 4- الاسترشاد: برجال الدين حيث النصح البنّاء.
 
5- قوانين الدولة: حيث أوصانا الله بطاعتها «اخْضَعُوا لِكُلِّ تَرْتِيبٍ بَشَرِىٍّ مِنْ أَجْلِ الرَّبِّ» (1 بطرس 13:2).
 
8- بين العلم والإيمان
 
- لا تعارض بين العلم الكامل والإيمان الحقيقى.. وحينما سألوا «إسحق نيوتن» عن شعوره بعد اكتشافاته المذهلة لقوانين الطبيعة، قال لهم: «كنت كطفل صغير، يلهو على شاطئ محيط ضخم».. و«أينشتاين»، صاحب نظرية «النسبية»، قال: «كلما ازددت علمًا ازددت إحساسًا بالجهالة».. ذلك لأنه إن درس شيئًا وأدرك تفصيلاته فوجئ بجديد يحتاج إلى بحث!!
 
- إن جسم الإنسان يحتوى على 60 مليار خلية، وكل خلية عليها الشفرة الوراثية الخاصة بالشخص، وتحتوى على 100.000 عنصر وراثى.
 
- وها نحن نتعرف على الفيمتو/ ثانية وهى جزء من مليون بليون من الثانية، حسب تحديد واكتشاف د. أحمد زويل، فى بحثه حول أشعة الليزر.
 
- وهناك كوكب جديد يتم اكتشافه حاليًا ضمن المجموعة الشمسية، حجمه جبار، لم يصلنا ضوؤه سوى هذه الأيام.. وهناك ما لم يصلنا نوره بعد من كواكب هذا الكون الشاسع الذى خلقه الله تعالى.
 
■ ■ ■
 
العلم الحقيقى يمجد الله:
 
نعم.. العلم الحقيقى يمجد الله، سواء فى سماء الفلك، أو محيط الطيور أو الحيوانات، والكائنات البحرية، أو عالم النبات.. فكم بالحرى عالم الإنسان تاج الخليقة؟!
 
لهذا فهناك توازن مطلوب بين العلم والإيمان:
 
فالعلم يبحث فى دائرة الحسّيات، والإيمان يبحث فى دائرة الماورائيات.. ماذا وراء المادة؟ والطبيعة؟ والحياة؟ والكون؟ والموت؟
 
ومشكلة بعض الباحثين سرعة القفز إلى نتائج غير سليمة:
 
مثلما حدث فى نظرية دارون «النشوء والارتقاء.. والانتخاب الطبيعى». حيث وجد دارون نفسه أمام سؤالين غاية فى الصعوبة، هما:
 
1- كيف جاءت الخلية الأولى إلى الحياة؟
 
2- ماذا عن الفجوة الجبارة بين «الغوريلا» والإنسان؟
 
لم يستطع دارون الإجابة، ولكننا «بِالإِيمَانِ نَفْهَمُ أَنَّ الْعَالَمِينَ أُتْقِنَتْ بِكَلِمَةِ اللهِ» (عبرانين 3:11)، فهو الذى يقول للشىء كن فيكون!
 
نعم بالإيمان نفهم:
 
1- أن الله هو أصل الوجود، وواهب الحياة للخلية الأولى، ولكل الكائنات الحية.
 
2- أن الله صنع الإنسان حين نفخ فيه روحًا عاقلة، ليست موجودة فى الحيوانات. كذلك فإن تشابهت الأعضاء الجسمية بين الإنسان والحيوان، فهذا دليل آخر على وحدة الصانع، الذى خلقهما معًا، وترك بصمة فى كل منهما. لماذا لا نتشابه مع الحيوانات فى بعض الأجهزة الدورية والعصبية والجنسية... إلخ، مادامت الوظائف متشابهة، والخالق واحدا؟! ولكن يبقى فرق جوهرى وهو وجود عنصر «الروح» فى الإنسان، بصمة من الخالق، يحدثنا عنه، ويدلنا إليه.
 
بماذا يتميز الإنسان؟
 
هناك فرق شاسع بين الإنسان: صاحب الروح العاقلة، والمتجاوز لذاته، والمتطلع إلى المطلق واللانهائى، والذى سيخضع للثواب والعقاب بسبب صوت الله فى داخله، والروح العاقلة التى يتميز بها.
 
فرق شاسع بينه وبين الحيوان الذى نفسه فى دمه، يموت فينتهى كل شىء!!
 
■ ■ ■
 
إن كانت العين المجردة ترى لمسافة محدودة، وتحتاج إلى التلسكوب لترى الأجسام البعيدة.. كذلك العقل الإنسانى المحدود يدرك المحدودات، ويحتاج إلى الإيمان، عطية الله، ليتعرف على غير المحدود، فالإيمان هو التلسكوب الذى نضعه أمام العقل، فيتأمل الروحيات والإلهيات.
 
* أسقف الشباب العام
 
بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع