زومبى فى مصر!
مقالات مختارة | بقلم : حمدى رزق
٤٨:
١٠
م +02:00 EET
الأحد ١٧ فبراير ٢٠١٩
لافت جدًا استيلاء أخبار الفضائح الجنسية على مقدمة التفاعليات بالمواقع الإلكترونية، هى الأكثر قراءة ومطالعة وتعليقا، الفضائح الجنسية تجتذب الضباع، الذباب الإلكترونى لا يعف إلا الجثث النافقة، هناك شبق مجتمعى لمتابعة أخبار الفضائح، والمساهمة فى الفضح بتعليق أو كومنت أو تتويتة أو تغريدة، شعللها شعللها ولعها ولعها، يقتاتون على الفضائح، وينسون الستر، وربك ستار.
رزقت المحروسة بجيل فضائحى بامتياز، جيل يقتات الفضائح، ويتغذى على الجثث، ويقتل بدم بارد، وتحركه غريزة انتقامية، وشهوة فضائحية، الفضح العلنى صار بضاعة، بتنا وأصبحنا وفضائحنا على كل لسان، وجرائمنا فى حق أنفسنا مانشيتات الصحف الأجنبية، من فرط شذوذ ما يجرى، بتنا بابًا ثابتًا فى أبواب الغرائب والطرائف الحزينة، ولا عجب أن يخرج علينا «بغيل» خليجى يغرد علينا بما تأباه أنفسنا، وتولاه المحترمون.
ماذا تصدر المواقع من أخبار مصرية للعالم، للأسف أخبار فضائحية محزنة، توارت أخبار الإبداع والابتكار والإنتاج ولا حتى أخبار الشهداء، بضاعتنا يتوارى منها الحكيم خجلا، هل هذه أخبارنا، هل هذه أحوالنا، هل هذه مصرنا، هل هذه أفكارنا عن الحياة والبشر والكون، وأسفااااه.
فى بلاد ليست بعيدة ناس تخترع وتبدع وتؤلف وتؤسس للسعادة، وتنتصر للحق والخير والجمال، ونحن نعمة فى ظلمات أنفسنا، ونتقفى الفضائح، ونجرى وراء الأخبار العارية، عورتنا باتت مكشوفة، لا يمر يوم إلا بفضيحة، كروية أو فنية ظلامية، وبلاغات وشكايات ومشادات وفيديوهات.. ما هذا السخام؟
البعض تفرغ تمامًا لقتل البعض، بعضى يمزق بعضى، والإساءة فى الأخير لبلدنا، والنكاية فى وطن لا يستأهل منا هذا الذى يجرى منا، ليس عن جهل بل لدد فى الخصومة، واحتراب حتى النفس الأخير، والقتل على الهوية، خسائرنا لا تدركها الأبصار المتلصصة على أعراض الناس، الموغلة فى أدق الخصوصيات، الفاضحة لكل عيب أو نقص أو سواد.
الصورة هكذا لن تطلع حلوة أبدًا، هذا مجتمع أصابته بكتيريا متوحشة تأكل حواشيه وتذهب سريعا إلى القلب منه، البكتيريا المسمومة تتمدد وتتوغل وتذهب بعيدا فى القضاء على مناعة هذا المجتمع، المضادات الأخلاقية تتهاوى أمام هجمة فضائحية لا ترعى دين ولا أخلاق ولا معنى لأهمية وجودنا فى هذا العالم الذى يغزو الفضاء، ونحن نوغل فى التلصص على غرف النوم.
وباء يجتاحنا، وباء فضائحى ضرب البلد، مجرور صرف صحى على السوشيال ميديا، أغرقنا بسخامه، لوث حياتنا، وسود عيشتنا، نبات على فضيحة ونصحو على فضيحة، وما بين الفضيحة والفضيحة فضيحة أخرى، وتوارت الفضيلة، وغارت ماء الشهامة والنخوة فى آبار سحيقة.
ما يعتورنا مخطط فى أقبية مسحورة، تلهو بنا جميعا، تضعنا فى دائرة جهنمية لتصفية ما تبقى من عناوين سارة أو أخبار مفرحة أو منجزات على الأرض، تلهينا عن مهمتنا فى الإنتاج والإبداع والاختراع، فقط تفرغنا لإنتاج القصص والحكايات والروايات، وإبداع فى التشيير والتشهيل والاقتطاع والاجتزاء، واختراع حكايات ما أنزل بها من سلطان ولا يصدقها عقل طفل، ولكنها بضاعة رائجة فى أسواق فاسدة على حوائط مسودة من سواد أفعالنا.
مجتمع يتعرى سعيدا، يرقص عاريا، يقف عاريا وسط الشارع، والعالم يتفرج على غريبى الأطوار، الذين ينتحرون كالحيتان على شاطئ البحر، جماعات نحترب وننتحر، وننزف أجمل ما فينا، يسود القبح، ويزحف الظلام، ويخرج من العتمة قتلة، زومبى Zombie وجمعها الموتى الأحياء فى أفلام الخيال المرعب، موتى كسالى يتغذون على الأحياء من البشر.
نقلا عن اليوم السابع