الأقباط متحدون - حياتك تستاهل تتعاش
  • ١٨:١١
  • الثلاثاء , ١٩ فبراير ٢٠١٩
English version

حياتك تستاهل تتعاش

مقالات مختارة | خالد منتصر

٤٥: ٠٦ ص +02:00 EET

الثلاثاء ١٩ فبراير ٢٠١٩

خالد منتصر
خالد منتصر

فى آخر لقاء لى مع الصديق الراحل الجميل د. طارق أسعد، أستاذ الطب النفسى، تمنّى فى نهاية البرنامج الاهتمام بالخط الساخن لمنع الانتحار وتقديم المعونة النفسية للمقبل على الانتحار، كان متحمّساً فى ما يشبه الرجاء والتوسّل، ولم أكن أعرف أو أقدّر حجم المشكلة إلا عندما استمعت إلى تحليله، لذلك سعدت جداً بحملة «حياتك تستاهل تتعاش» التى دشّنتها الأمانة العامة للصحة النفسية، بالاشتراك مع إذاعة «نغم إف إم»، وتفعيل الخط الساخن «0220816831» لتلقى مكالمات اليائسين المحتاجين إلى طوق نجاة قبل الرحيل عمداً، والغياب اكتئاباً.

لكن هل مشكلة الانتحار تستدعى كل هذا الاحتشاد وتلك الحملة؟، تعالوا نقرأ هذه الأرقام، لنعرف حجم المشكلة: مليون شخص ينتحرون كل عام على مستوى العالم، أى إن عدد المنتحرين فى العالم أكثر من ضحايا الحروب والقتل العمد، 3000 حالة انتحار يومياً، الانتحار هو السبب الأول للموت عند المراهقين والبالغين تحت الـ35، هناك شخص ما ينتحر فى مكان ما فى العالم كل 40 ثانية، الرجال ينتحرون بنسبة ثلاثة أضعاف المرأة، على عكس ما تتخيلون، هناك شخص يحاول الانتحار، ولم ينجح فيه كل ثلاث ثوانٍ!!، أرقام مُرعبة توضّح حجم المشكلة وخطورتها، لذلك أطلقت منظمة الصحة والجمعية العالمية لمكافحة الانتحار شعار connect، care، communicate لدعم المقبل على الانتحار، وكان لا بد فى مصر ألا ندفن رؤوسنا فى الرمال وندّعى أنه لا توجد لدينا مشكلة انتحار، لأننا كما نردّد دائماً شعب متدين بالفطرة، من الممكن أن تكون النسبة عندنا أقل، لكنها موجودة وتزداد، ولا بد أن نعرف أن الاكتئاب مرض فيه خلل كيميائى ولا علاقة له بنسبة التديّن أو مقدار ما تؤديه من طقوس، لذلك كان يجب على وزارة الصحة إنشاء خط ساخن يتحدث فيه المقبل على الانتحار عندما تهاجمه الهواجس، ليجد من يدعم بالنصيحة، ويعتنى ويتواصل.

فى أحيان كثيرة يكون المكتئب جعان تواصل وعطشان اهتمام، يحتاج إلى من يسمعه، من يصرخ له، أشد الأمراض إيلاماً هو الاكتئاب، ألمه أشد وأعنف وأقسى من السرطان، والمنتحر يعرف أن المجتمع سيلفظه إذا انتحر ولن يحترمه، يعرف كل ذلك، لكنه بالرغم منه ينتحر، هو بتعبيره ماعادش قادر يستمر، عايز يستريح ويريح، حاسس بأنه بيتفرج عَ الدنيا، لامبالٍ بالحياة، ماعادش يفرق عنده حياة أو موت، ماعندوش الدافع.. إلخ، كل هذه الكلمات لمبات حمراء نراها ولا ننتبه وأجراس خطر نسمعها من المكتئب ولا نعيره اهتماماً، إلى أن تحدث الكارثة فنستيقظ على طلقة رصاص أو ابتلاع أقراص دواء أو قفزة إلى المجهول من نافذة، أو من على كوبرى إلى النيل مباشرة، ثم نُمصمص شفاهنا، قائلين ده كان لسه إمبارح بيتعشى معانا، أو كان مكلمنى فى التليفون وكان بيضحك!!، كلام فارغ نخلى به مسئوليتنا عن إهمال هذا البنى آدم وجعله يصرخ إلى الداخل وحيداً يعود إليه صدى صوته من بئر بلا قاع، الطبيب أيضاًً عليه مسئولية، فمن يترك شاباً حاول الانتحار ليُعالجه بعدها فى البيت بشوية أقراص ويقول دى حاجة بسيطة دون أن يدخله المستشفى ويضعه تحت المراقبة، فهو يرتكب جريمة طبية، الانتحار مرتبط بالإنسان، كما قال صلاح جاهين، الذى للأسف انتحر وهو فى قمة مجده:

الدنيا أوده كبيرة للانتظار

فيها ابن آدم زيه زى الحمار

الهم واحد.. والملل مشترك

ومفيش حمار بيحاول الانتحار.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع