بقلم : مدحت بشاي
كان لدينا كُتاب وقامات فكرية رائعة يمثلون الأحزاب، عندما كانت لدينا حياة حزبية (وذلك إلى حد كبير، رغم الصراعات السياسية العنيفة والضارة فى بعض الأحيان آنئذ)، قبل قيام ثورة 23 يوليو 1952.. كنا نراهم يمثلون أفكار وتطلعات أحزابهم بحماس وعقيدة حزبية راسخة، وهو ما كان يؤكد على أهمية فكرة التعددية الحزبية بدرجة نافعة فى مجال الحوار السياسى.. كنا نراهم فى المعارك البرلمانية، وعلى صفحات جرائدهم وعبر إصداراتهم، وفى التظاهرات وكل الفعاليات السياسية.. وبالتأكيد كان وجودهم الفكرى يسهم فى رفع درجة الوعى السياسى لدى شباب تلك الأحزاب وتكوين كوادر قيادية حزبية يمكن الاعتماد عليها لسرعة نشر وترويج الفكر الحزبى والدفاع عن توجهات الحزب ومبادئه ومواقفه عند الأزمات.
الآن، يبتعد أهل الفكر والتنظير والعلوم السياسية والاقتصادية والنخبة، حيث يرون أنه لا جدوى من الاقتراب من العمل الحزبى، لأن أحزابنا على هذا القدر المتواضع المفتقد للبنيان الحزبى المتكامل (بمعنى توافر رؤية استراتيجية وبرامج عمل مميزة وعضوية مشجعة من حيث الكم والكفاءة والتفرد).. نعم هم يرون التالى:
■ الأحزاب فشلت فى إثبات دورها، وفشلت فى تقديم أى مشروع أو برنامج أو حلول أو اقتراحات لتطوير الحياة فى مصر اقتصاديًا أو تعليمًا أو أى ملف آخر إلا على الورق فقط.
■ الأحزاب ميتة إكلينيكيا، ويرأسها من يحافظون على الأوضاع القائمة، لأن مصلحتهم فى المحافظة على الشكل، لكن الفعل الناتج لا يوجد.
■ ماذا قدمت الأحزاب التى كانت كبيرة، وأصبحت صغيرة فى السنوات الماضية؟
■ حتى الأحزاب الجديدة التى تُسمى أحزاب الشباب، كلها شاربة من نفس نبع النهر الفقير.
ورغم ما قلناه عن أهل الفكر زمان ومشاركاتهم السياسية، فعندما سأل الكاتب الرائع «محمود عوض» الكاتب الكبير توفيق الحكيم عن عزوفه عن الممارسة الحزبية، قال: «إن تكوين الأحزاب فى مصر بعد ثورة 1919 على ذلك النحو الذى حدث لم يسمح للمفكرين والمثقفين الحقيقيين إلا بالمراكز الثانوية التى ليس لها حق التوجيه.. من هنا ضعف الدور الفكرى والاجتماعى لتلك الأحزاب واقتصر نشاطها على الجانب السياسى، كان الكاتب المفكر المثقف فى نظر كل حزب هو فى الأغلب مجرد قلم يستأجره الحزب للدفاع عن وجهة نظره، والهجوم على خصومه، وكان هذا ما نفّرنى، وأبعدنى عن تلك الأحزاب.. ما رأيك؟».
فكان رد محاوره: «رأيى أن الكاتب أو الفنان عندما يتم استئجاره للتعبير عن وجهة نظر، فإنه نوع آخر من البغاء والدعارة، بغاء متنكر فى ثوب أدب، ودعارة مستترة أكثر خطورة من الدعارة الصريحة»!
تخيل- عزيزى القارئ- رد فعل «الحكيم» لو كان بيننا ورأى أحوال أحزابنا الآن.. إن قيادات الأحزاب يتبادلون الكتابة فى جرائدهم الحزبية، رغم تعارض أهداف أحزابهم المعلنة، ولو سألت أحدهم يقول لك: «أهداف إيه؟ طيب تقدر تقوللى، مثلًا، إحنا سياستنا الاقتصادية فى مصر نسميها إيه بالضبط؟»... وعلى رأى شباب الفسبوك أهو مقضينها.. أحزاب متعاونة على رأى الكابتن لطيف «لعب تعاونى»، وساعات على رأى الناقد الراحل «نجيب المستكاوى»، بطريقة انزراعية، بمعنى الثبات المميت فى المكان! وعليه، لا تلوموا ملايين البسطاء لانتخابهم «مرسى» ليحكم المرشد، فحزبهم كان الأوحد على الساحة.