مريم أنيس
تعلمت منذ صغري أنه عندما تسأل المعلمة سؤالاً يجب ان أجيب عليها إجابةً كما يجب او بمعني أخر إجابةً نموذجية على الرغم أنني لم أكن أعرف معنى كلمة "نموذجية " ولكن قيل لي أنها الأجابة المطبوعة في الكتاب ، لا نقص فيها لحرف او زياده .، ويجب على أن أحفظها عن ظهر قلب . وهكذا أكون لدى كل الإجابات النموذجيه لكل امتحان أو سؤال ، حينئذ أحصل حتماً على الدرجات النهائية وأنال الحظوة والاستحسان لدى الكل .
كنت احفظ كل الإجابات بلا زيادة أو نقصان حتى كانت تطاردني الإجابات اثناء النوم واقولها عن غير دراية . وعندما كبرت وتهتُ في بحر تجارب هذا العالم ، وجدت أسئلة كثيرة في حياتي، تحتل مكاناً بعقلي، تبحث عن نموذج إجابه لأأرتاح قليلا ًمن همي وحيرتي. ووجدت نفسي أمام امتحانِ عسرِ ،لا اقوى فيه على الإجابة أو حتى التفكير . تحدثت إلى من حولي وسألتهم ماهي الاجابه ؟ لماذا ؟ متي ؟ كيف ؟ أين ؟ لم ينطق أحد . سكت الجميع . لا اعلم سبب سكوتهم ؛ هل سكتوا عن جهل او عن خجل او خوف على مشاعري أو عن أسباب أخرى ؟!
تذكرت فجأة الأحداث التي كنت لا أجد لها مبرر ولا سبب ؛ فأنا حزنت لرحيل الأصدقاء والأحباب ، تأسفت للحظات الفشل واليأس ، تنهدت من ساعات الملل والفراغ ، تحيرت من لئم وغدر الرفاق ، وتعجبت من أصل وشهامة بعض الأعداء ، كدت أجن من فرط ووفرة الأشياء التي أتمتع بها ، وقلقت من نضوب الأشياء التي أفتقدها . خفت من آلام الفقدان وفرحت بلهفة اللقاء . تنفست الصعداء بعد صدمات الرعب والفزع . تذكرت ما كنت أشعر به خلال هذه الأحداث و راودتني ذكريات تلك المشاعر المصاحبة لما حدث وظهرت على وجهى علامات الخوف والابتسامة و الغضب والحزن والسعادة ،أنتاب وجههي تعبيرات مختلفة تلي بعضها البعض . وأخيراً تسالت : لماذا ؟ لماذا الغدر ولماذا الفزع ولماذا اليأس ولماذا الندرة والوفرة في حياتنا ؟ وظلت كلمة لماذا تتردد على عقلي ولا تجد اي إجابة ! مرت أمام عيني احداث كنت أعجز عن تفسير أسبابها ، كنت أريد أن أسمع تبرير من أأي أحد ليريح قلبي ولكن بلا جدوى .
وبعد رحلة بحث مضنية شعرت بارتياح ، وجدت مرادي الذي بحثت عنه كثيرا ًوسط أشلاء اليأس والحيرة .أيقنت انه ليس هناك شئيا ً يسمى إجابه نموذجيه ، ليس هناك شيء كامل نموذجي ، ليس هناك إجابه وافيه شافيه قاطعة لكل ما يحدث في الحياة . ليس كل ما تريد ان تعرفه ، ستصل حتماً الي معرفته . الحياة ليست بهذه السذاجة ولا بهذه البساطة .
الإجابات النموذجية ليس لها وجود في عالمنا . الكل يجاوب حسب خبراته ، حسب حياته ، حسب معتقداته ، حسب ما يريد .
صدمتي لن تكن في اكتشافي لعدم وجود الإجابة النموذجية فقط ولكن صدمت عندما لم أخذ الدرجات النهائية كما كنت معتادة !