الأقباط متحدون - الدكتورة رفاه ناشد... رمز جديد يفضح عمى النظام السوريّ
  • ١٦:١٧
  • الخميس , ٢٢ سبتمبر ٢٠١١
English version

الدكتورة رفاه ناشد... رمز جديد يفضح عمى النظام السوريّ

٤٨: ٠٤ م +02:00 EET

الخميس ٢٢ سبتمبر ٢٠١١

جاء الدور على الأطباء والمثقفين في سوريا ليذوقوا مرارة الانتهاكات والاعتقال والمكوث في السجون لمجرّد الشكّ والشبهة، ما حصل لعالمة النفس الستينية الدكتورة رفاه ناشد التي اعتقلت في مطار دمشق دون موجب، يعكس بحسب المتابعين درجة التطرّف التي يبدو عليها نظام الأسد واحترازه من الجميع... معارضين وغير معارضين.
دمشق: "أنا الدكتورة رفاه ناشد، موجودة حاليا في سجن النساء في دوما لأسباب أجهلها إلى حدّ اللحظة، أنا بصدد اكتشاف زوايا أخرى من المجتمع الذي أنتمي إليه"...هذه الرسالة القصيرة كتبها زوج الدكتورة رفاه ناشد (66 عاماً) وهي المحللة النفسية السورية الشهيرة التي اعتقلها نظام الأسد يوم السبت الماضي في مطار دمشق، حيث كانت تستعدّ لركوب الطائرة متوجهة إلى باريس لزيارة ابنتها الحامل وإجراء بعض الفحوصات بعد تعرضها لمشاكل صحية، بحسب ما أخبرت صحيفة (ليبيراسيون) الفرنسية.

كان للدكتورة رفاه وقت محدود للغاية لحظات اعتقالها لتتصل بزوجها أستاذ التاريخ القديم في جامعة دمشق فيصل محمد العبد الله هاتفيا وتقول له باقتضاب: " يقومون بمراقبة الجميع بعصبيّة، لديهم قوائم بأسماء من سيعتقلون، لقد صادروا جواز سفري"... وانقطع صوتها، ولكن هاتفها المحمول ظل مفتوحا لبرهة من الزمن، زوجها سمع قرقعة وتحريكا.. وكلمات مدام.. ارفع… هذا…" وانقطع الخط نهائيا.

ومنذ يوم السبت الماضي، غداة تظاهرات "جمعة الحماية الدولية" في سوريا، والغموض يلف خبر اختفاء المحللة النفسية السورية رفاه ناشد، من مطار دمشق الدولي، حيث كانت المرأة الستينية تستعد لركوب الطائرة والتوجه إلى باريس. وفي الوقت الذي اتهمت فيه مواقع المعارضة على الإنترنت أجهزة المخابرات السورية باعتقال أخصائية الطب النفسي من إحدى قاعات مطار دمشق الدولي، أصدر زوجها الدكتور فيصل محمد عبد الله، بيانا أكد فيه أن زوجته "اعتقلت من قبل حاجز تفتيش الحقائب في قسم المغادرة في مطار دمشق من قبل عناصر المخابرات الجوية".

ويروي عبدالله حكاية البحث عن زوجته المختفية: "أسرعت إلى مكتب في قاعة المطار الرئيسة وقد كتب عليه "الأمن"، وطلبت منهم السؤال عن زوجتي أمام حاجز التفتيش، فأجابني بأن الأمن لا يعلم، و لو كان يعلم لقال لي بالضبط ما حصل. فقلت: “لكن زوجتي دخلت من هنا واتصلت بي من أمام نقطة تفتيش الحقائب وقالت إنهم يفتشونها وانقطع الاتصال، وأنا ومنذ تلك اللحظة أعتبر زوجتي مفقودة في قلب المطار وبالضبط عند نقطة التفتيش الأولى وقبل الميزان. قال لي موظف أمني بزي مدني: “نحن لا نعرف و لو كنا نعرف لقلنا لك. فقلت له: “عجيب، أنا مواطن وأعلمكم أن زوجتي مفقودة لديكم، فهل من مساعدة منكم كسلطة مسؤولة؟” فأجاب: “لا علم لنا نحن، اذهب إلى الأمن العام… اذهب إلى الشرطة واسأل".
ملف خاص: سوريا... الثورة

توجه عبدالله إلى مكتب مجاور حيث الشرطة باللباس الرسمي، وروى حادثة اختفاء زوجته ويضيف: " طلب مني اسمها الكامل، فأعطيته صورة هويتها، وذهب ليعود بعد دقائق ويقول: “لم تعبر زوجتك بوابة الأمن العام، وبالتالي هي لم تسافر بعد، انظر نقطة تفتيش الجمارك الأولى والأمن الجوي”، فقلت: “لايسمح لي بالدخول إلى هناك، ومكتب الأمن الذي يفترض أنه جوي، قال إنه لا يعلم عنها شيئا، ولو كان يعلم لقال” فنظر إلي الشرطي ضاحكا وقال: “نحن قمنا بواجبنا وزوجتك لم تعبر من عندنا، فاسْأل الأمن ثانية”.

يخلص زوج المحللة النفسية السورية إلى القول "وبعد انقضاء يوم السبت بكامله في الدوران بين مكاتب الأمن والخدمات ومكتب الشركة الفرنسية… أيقنت أن زوجتي الدكتورة رفاه ناشد المحللة النفسية وعمرها 66 عاما قد اعتقلت من قبل حاجز تفتيش الحقائب في قسم المغادرة في مطار دمشق، من قبل عناصر المخابرات الجوية، وأن علي أن أتابع أمر هذا الاعتقال في اليوم التالي، وهذا ما أفعله الآن.
صفحة على فايسبوك للتضامن مع رفاه ناشد

بعد أن قضت زوجتي ليلتها الأولى في مكان تابع لجهة أمنية غير معروفة من قبلي، أعلن أن زوجتي تعاني أمراضا عدة وأنها كانت متوجهة إلى باريس لأسباب صحية وعائلية، وأنها اعتقلت في مطار دمشق من قبل المخابرات الجوية. وسأبدأ اليوم بإجراءات قانونية في وزارة العدل للحصول على جواب من السلطات عن مصير زوجتي".

تقول صحيفة (ليبيراسيون) الفرنسية التي تابعت عملية اعتقال الدكتورة رفاه وما تلاه من حملات تضامنية من أجل إطلاق سراحها: "لقد تحوّلت رفاه ناشد إلى رمز جديد لتسلط نظام الأسد في سوريا بفضل التحشيد المتواصل والدعم الذي تتلقاه هذه المعتقلة".

وتقول الصحيفة إنّ عريضة مهمة أطلقها علماء ومحللون نفسيون في فرنسا، تمكنت من جمع 2500 توقيع في وقت وجيز، وتطالب العريضة بالإفراج الفوري عن زميلتهم.

كما انشأ نشطاء على فايسبوك صفحة تطالب بإطلاق سراح الدكتورة ناشد ضمت أكثر من 2200 مساند.

ظلت العائلة لوقت طويل محرومة من أخبار تخصّ الدكتورة رفاه، لكنّ زوجها تمكن في النهاية من زيارتها في السجن الأربعاء الماضي، وتقول الأخبار إن صحتها مطمئنة وإن معاملتها تتم بشكل جيد، لكن هنالك مخاوف من حرمانها من الدواء في السجون السورية.

والأربعاء كذلك، وجهت السلطات إلى عالمة النفس تهما تتعلق بـ"ممارسة أنشطة يمكن أن تتسبب في زعزعة استقرار الوطن".

ويقول مقرب من عائلة المعتقلة لصحيفة (ليبيراسيون) إنّ رفاه عادت مع زوجها إلى سوريا عام 1985 بعد إتمامها الدراسة في جامعة ديدرو في باريس، ويؤكد المقرّب من العائلة أنّ المعتقلة لم تكن ناشطة وأنها وزوجها لم يكونا يرغبان في العمل السياسي، بل إنّ الدكتورة رفاه لم تكن منزعجة أصلا من النظام السوري.

وتقول (ليبيراسيون) إنّ السلطة السورية التي تجابه ثورة منذ أكثر من 6 أشهر ورغم التنكيل بالمعارضين والناشطين، فإنها ترغب هذه المرة في توجيه رسالة إلى المثقفين مفادها "لا تخطئوا" ..فالاعتقال والسجن سيكون على الاشتباه.

من جانبه يقول جاك آلان ميلر، وهو من أبرز المحللين النفسيين الفرنسيين، إنه اتصل بشخصيات عديدة من أصحاب النفوذ الواسع في الداخل الفرنسي وخارجه، ومن بينهم الفيلسوف والمفكر برنار هنري ليفي. كما بعث برسالة إلى مكتب صديقته كارلا بروني، زوجة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وطلب منها أن تطلع زوجها على هذه المشكلة، إضافة إلى وزير الخارجية آلان جوبيه.

ويقول ميلر في حوار صحافيّ: كلهم أكدوا لي أنهم سيقومون بكل ما في وسعهم من أجل إطلاق سراح رفاه ناشد في القريب العاجل، وقد أنشأنا موقعا يحمل اسم رفاه ناشد من أجل تسجيل تواقيع الناس الذين يطالبون بإطلاق سراح المحللة النفسية السورية. وندرس حاليا إمكانية تنظيم تظاهرات وتجمعات في باريس في حال لم تطلق السلطات السورية سراحها".

وعن أسباب اعتقال ناشد يقول آلان ميلر: "لا أعرف السبب الحقيقي. رفاه امرأة لا تحب السياسة ولا تتدخل فيها بتاتا. كانت لديها صلة وثيقة مع باريس وتأتي إليها من حين إلى آخر. لكن إذا تم اعتقالها لهذا السبب، فعلى النظام السوري أن يعتقل الآلاف من الناس الذين تربطهم علاقات جيدة بفرنسا، وإذا كان السبب يعود إلى نشاطاتها الطبية، فهذا شيء غير منطقي وغير مقبول. العالم العربي لديه الحق هو أيضا أن يعيش في الديمقراطية. وإذا كان هذا العالم يعج بشتى السلع الإلكترونية مثل "الأي فون" و" الأي باد" الخ فعلم النفس وسيغموند فرويد لهما أيضا مكانتهما في سوريا وفي دول عربية أخرى".