الأقباط متحدون | ما هو أدب الثورة في مصر؟
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٢٣:٠٢ | الجمعة ٢٣ سبتمبر ٢٠١١ | ١٢ توت ١٧٢٨ ش | العدد ٢٥٢٥ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

ما هو أدب الثورة في مصر؟

الجمعة ٢٣ سبتمبر ٢٠١١ - ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

 بقلم: د. أحمد الخميسي
أسئلة كثيرة تحتاج إلي تفكير وتأمل طرحتها علينا "25 يناير"، منها: أيمكن أن تكون هناك ثورة حقيقية في "مصر" بعيدًا عن أن يكون الفقر والبؤس في مقدمة شعاراتها؟. أيمكن أن تكون هناك ثورة حقيقية بدون نظرية واضحة؟ أيمكن أن تكون هناك ثورة حقيقية تحصر مطالبها في حدود الإصلاح السياسي (إقالة الرئيس– تعديل الدستور- انتخابات نزيهة– محاكمة رموز الفساد– توسيع نطاق الحريات بمفاهيم ذات النظام الاقتصادي والاجتماعي)؟. أما في المجال الثقافي، فإن أسئلة أخرى تنبعث وتطرح نفسها بقوة بين المثقفين، فقد انشغل فريق بأهمية وضع ما أسموه بـ"الدستور الثقافي"، واهتم البعض بما يسمَّى "أدب الثورة" وبتوثيق ما جرى. فما هو أدب الثورة؟.

في معظم ما يُكتب يتصوَّر الجميع- بحسن نية- أن أدب الثورة هو تلك الأغنيات والصفحات الشعرية والنثرية والمسرحية التي رافقت وأعقبت "25 يناير"، هو تلك القصائد التي اندلعت في الميدان، وخارجه، والقصص التي كُتبت على عجل وهي أقرب ما تكون إلى المشاهد والخواطر الأدبية، وأيضًا الأغنيات التي تناثرت هنا وهناك بأصوات شابة وكلمات غاضبة، ثم هي العروض المسرحية التي تنتسب إلى ما يُعرف بـ "الكباريه السياسي". وقد بدا للبعض أن طابع المفاجأة الذي دمغ "25 يناير"، قد يصلح لينطبق على الأدب، فكما ولدت ثورة لم تكن في حسبان معظم القوى السياسية، فإن من الممكن أيضًا أن يُولد أدب لم يكن في حسبان أحد.

لكن الأمر مختلف تمامًا، فبينما تتصدى الانتفاضات والثورات لتغيير الواقع، فإن الأدب يتصدى لرصد الروح والتغيرات التي تطرأ عليها، واحتمالات انفتاحها على المستقبل، وهي مهمة بحاجة لاختمار من نوع آخر، وتتم بصورة أكثر بطئًا. لهذا لا يعرف الأدب "أدب الثورة"، وقد نلاحظ أنه حتى الآن لم يُكتب بعد عمل أدبي كبير يلم بكل أبعاد نكسة 67، ولا عمل أدبي كبير يلم بأبعاد حرب أكتوبر، بل ولم يُكتب عمل أدبي ضخم يعكس حتى ثورة يوليو. وقد احتاجت ثورة 19 نحو ثلاثين عامًا لكي تختمر وتبرز على يدي "نجيب محفوظ" في "الثلاثية". وليس معنى كل ذلك أننا نطالب بوقف الأعمال الأدبية التي تحاول مواكبة ما حدث في 25 يناير، بالعكس، نحن نطالب بالمزيد من تلك الأعمال، لكن علينا ونحن نرحب بتلك القصائد وعروض الكباريه السياسي المسرحية والانطباعات، أن ندرك أن ذلك كله يندرج في باب "الاحتفال الأدبي بالثورة"، وهو احتفال له دوره وتأثيره الإيجابي.

والآن.. هل يعني ما سبق أنه ليس لدينا "أدب الثورة"؟.
بل لدينا. ولدينا الكثير من "أدب الثورة"، لكنه ليس ذلك الذي ظهر بعد "25 يناير" بل ذلك الذي ظهر قبلها، أعني الأدب الذي واجه بشجاعة ودأب ظلمة ومظالم ثلاثين عامًا من حكم "مبارك"، وعرى الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي الذي رسَّخه نظام الحكم. أدب الثورة هو أدب ما قبل الثورة. الأدب الذي مهَّد للثورة، وشحن الشعور نحو الفجر، وأرق الفكر، وطرح التساؤلات، والعذابات الروحية، والضياع، وأيضًا الأمل.

وحينما يقولون "أدب الثورة"، أتذكَّر على الفور رائعة بهاء طاهر "واحة الغروب"، وفيها يدق "بهاء طاهر" ناقوس الخطر، محذِّرًا من الخطر الذي يطبق على مستقبل "مصر" في ظل الأوضاع التي كانت قائمة حين صدرت الرواية عام 2006، يرصد "بهاء طاهر" التناقض الذي يمثل شرخًا في شخصية المثقف المصري، الثوري، الضعيف، الذي يقف دائمًا "في منتصف شيء ما"، المثقف الذي يكره الحكومة لكن إذا أوفدته الحكومة مأمورًا حاكمًا لواحة "سيوة" فإنه مستعد لجلد أهالي الواحة وسجنهم كما فعل أسلافه، لكي يستوفي للحكومة الضرائب المقرَّرة!!. إنه يشفق على سكان الواحة، لكنه مستعد للعمل معهم بمبدأ مستر هارفي الإنجليزي "فرق تسد"، وذلك بإلقاء بذور الفتنة بين القبيلتين اللتين تقطنان في الواحة بحيث تسهل عليه السيطرة. ومن ثم، فإنه يلخص أزمته بعبارة واحدة: "لا ينفع في هذه الدنيا أن تكون نصف وطني ونصف خائن، نصف شجاع ونصف جبان".

وفي روايته الجميلة، يضع "بهاء طاهر" ثقله كله خلف شخصية "مليكة" ابنة الواحة، رمز الفن والذكاء والنهم للعلم والجرأة على تحطيم التقاليد البالية، لكن "مليكة"- الطائر الحر الوحيد- تموت بطعنة سكين، وهي طعنة يحذِّرنا بها "بهاء طاهر" من مصير مؤلم، يحذِّرنا بعنف، لكي نفيق، وننتبه، ونتحرك. حين يقولون "أدب الثورة" أتذكر رواية "أوان القطاف" لـ"محمود الورداني" (2002) والرؤوس التي بترت من مطلع التاريخ، وانتهاءًا بـ"شهدي عطية الشافعي". أتذكر رواية "طريق النسر" لـ"إدوار الخراط" (2002) التي عاد فيها إلى الخمسينات ليقدم حلقة حزبية من طلبة وعمال يجرفها الشوق إلي الثورة والعدل. أتذكر رواية محمد ناجي "الأفندي" (2008) التي عرى فيها "ناجي" الواقع الاجتماعي والثقافي من خلال "حبيب الله"، وهو شاب أنهى تعليمه بكلية العلوم قسم الفيزياء، لكنه يرمي بعلمه وثقافته وراء ظهره، ويندفع بحثًا عن القيمة التي يقدسها المجتمع الفاسد، أي إلى البحث عن المال، فينطلق إلى عالم تغيير الدولارات، ومنها إلي السياحة، حيث يقدم خدماته للزبائن كمرشد سياحي، بدءًا من الشقق المفروشة إلى النساء والمخدرات، ويقفز بعد ذلك إلي شراء الأراضي والعقارات، وصولًا إلى المشاركة في صناعة الثقافة، وذلك حين يجد من يقول له: "سأدبر لك أمر من يكتب باسمك، بألف أو بألفين تصبح مشهورًا: مفكرًا أو روائيًا أو شاعرًا.. ادفع وافعل ما تشاء". يعرِّى "ناجي" أمامنا مجتمعًا أصبح شعاره "إدفع وافعل ما تشاء"، اقتل ركاب عبَّارة وادفع واهرب من الحكم!!، ادفع الرشوة وقم بالاستيلاء على الأراضي في أفضل المناطق، ادفع واهرب من المحاكمة إذا قتلت راقصة.. إنه مجتمع كامل، قام الأدب الحقيقي بتعريته.

نماذج "أدب الثورة" كثيرة، إنه الأدب الذي أشعل القناديل في العتمة، وكافح في غمرة الظلام من أجل الثورة. هذا هو "أدب الثورة".




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :