الأقباط متحدون - د. محمود العلايلي يكتب.. فقه المؤامرة
  • ١٣:٤٤
  • السبت , ٩ مارس ٢٠١٩
English version

د. محمود العلايلي يكتب.. فقه المؤامرة

مقالات مختارة | محمود العلايلي

٣٤: ٠٩ ص +02:00 EET

السبت ٩ مارس ٢٠١٩

محمود العلايلي
محمود العلايلي

محمود العلايلي

 نعانى على الدوام من عدد مهول من المؤامرات، بداية من المؤامرة الكونية، مرورا بالمؤامرة الأمريكية والصهيونية، وقد تتحد هاتان المؤامرتان فى المؤامرة الصهيوأمريكية، ولا تتوقف نوعية المؤامرات عند هذا الحد، فقد تتراوح المؤامرات بحسب الظرف التاريخى مثل الشيوعية الدولية أو الرأسمالية العالمية، وهناك أيضا مؤامرات نوعية متخصصة، مثل التآمر على المصريين فى الخارج، والتآمر على الفن والرياضة المصرية، ثم التآمرعلى كل ما هو مصرى، وللإمعان لكسب مزيد من المريدين يعلن أن المؤامرة على كل ما هو عربى أو على كل ما هو مسلم.

 
إننا لا يمكننا أن نغفل أن هناك مؤامرات، ولكن ما يعنينا هنا ردود الأفعال لأى فشل وإيعازه إلى مؤامرة ما تم نسجها فى وقت سابق وتركت لتعمل بشكل تلقائى، وفى ذلك حجة جاهزة دائما للفشل والإحباط وعدم القدرة على الإنجاز.
 
إن الإذعان لفكر المؤامرة تقرير بالضعف أولاً، ثم تقرير بقوة من تعادى، ثم إعلان صريح بالاستسلام والخنوع وعدم القدرة على الخروج من شباك هذه المؤامرة سواء كانت حقيقية أم حجة متخيلة، وهو أسلوب انهزامى ينتهج سياق المظلومية والصعبانيات الذى أفنى فيه البعض عمرهم دون أن يكلفوا أنفسهم عناء الاستقواء أو دراسة مناطق قوة خصومهم ونقاط الضعف لدى أنفسهم.
 
إن الصراع الدولى ليس إلا محاولة الوصول إلى المصلحة الذاتية للدول، وأحد طرق الوصول إليها هو السيطرة على مقدرات الآخرين، وأن هذه السيطرة هى صورة من صور قوة الدولة وقدرتها على الهيمنة على من سواها، والتى لم تعد عسكرية فقط، وإنما سياسية مستندة على القوة العسكرية من ناحية وعلى القدرة الاقتصادية من ناحية أخرى، فإذا أردنا أن نسمى الأشياء بحقيقتها فعلينا أن نكف عن وصف الضعيف بالضحية، وعن وصف القوى بالجانى، لأن هذه هى قواعد الصراع الذى لا مكان فيه إلا لكل من يقدر على شروطه القاسية، وكل من يتحمل قواعده المضنية.
 
ومن القواعد الراسخة فى فقه المؤامرة الالتزام بها والتهويل منها والمبالغة فى شدة تعقيدها، ومن القواعد أيضا الدعاية لها والترويج لأفكار المؤامرة الدنيئة مع إظهار الطهر الذى يطوقنا والعفة التى تكللنا، أما القاعدة الذهبية فى فقه المؤامرة فهى عدم الإقدام أبدا على محاولة قمع هذه المؤامرة سواء بالعمل على ذلك أو التخطيط له؛ لأن ذلك ببساطة يفقدك كل المكتسبات السابقة كضحية مفعول بها، كما يفقدك حجية البكاء والوقوف على الأبواب للتنطع والاستجداء.
 
لقد عاشت مصر عقودا من الإذعان لهذا الفكر الردىء، وتفنن فقهاء المؤامرة فى التأسيس له سياسيا واقتصاديا لإيجاد الأعذار للسلطة الحاكمة لدى المحكومين، بل إن بعضهم بلغ به التجويد إلى التأصيل التاريخى لذلك؛ حتى جرت المظلومية فى دماء المواطنين واستحلت عقولهم.
 
وبدلاً من الرضوخ لأفكار المؤامرة، فقد اتخذت الإدارة السياسية مبادرة جعل مصر دولة قوية فاعلة فى محيطها الإقليمى كأهمية قصوى، وملف يتم التعامل معه بمنتهى الواقعية، يستهدف دول المنطقة بشكل خاص، ليؤسس لوضع دولى محورى ومؤثر، وليس كدعاية موجهة للداخل كما كانت دائما، تشير لأوضاع نسمع عنها ولا نشعر بها، ودعايات لا يتأتى من ورائها أى مردود اقتصادى أو اجتماعى يؤثر بشكل مباشر على الحياة اليومية للمواطن، لأن على الدول والأشخاص انتهاج أفكار القوة والتخطيط والعلو، بدلا من البكائيات وسوق الحجج وتصدير المظلومية، لنجد أنفسنا مكبوبين بجوار الحوائط نتشارك فى سيمفونيات العويل، وقصائد السباب لكل من سبقنا، بينما يجرى العالم ويطير، بل يحط بأقدامه على الكواكب، وينعم بنتاج أفكاره المتقدمة وعلومه الحديثة وتطبيقاته المتطورة وكل ما نطلق عليه مؤامرة.
نقلا عن المصري اليوم
الكلمات المتعلقة
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع